بقلم امال
بنعبد الرسول
أنا وسيزيف
يقول الله
تعالى " وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم ". مرة
أخرى، وأنا المؤمنة بالقدر خيره وشره، سأجد نفسي أمام ابتلاء آخر. ذلك أني، وعن طريق الصدفة، اكتشفت وجود ورم
شحمي صغير (ولسيس) في ثديي الأيمن. وحتى من قبل الخضوع للكشوف الدقيقة، أحسست بعدم
الاطمئنان. أصابني حزن كبير، أنا التي كنت أمني نفسي بأن رحلتي مع السرطان اقتربت
من نهايتها.
وبعدما خضعت
للفحص بالأشعة، وفور تسلمي للنتائج، توجهت مسرعة نحو عيادة الدكتور الفيلالي بابا
الذي أوجه له موفور التحية والتقدير. وبمجرد اطلاعه على تلك النتائج، تغيرت ملامح
وجهه، وبدا عليه القلق والتوتر. فسارعت إلى السؤال: ماذا هناك دكتور؟ هل أصبت
مجددا بالسرطان؟ نظر إليَّ، ورد، مواسيا ومشفقا، " نعم مدام أمال ".
أول ما تبادر
إلى ذهني، وأنا أتلقى هذا الخبر الصادم، قول ناس الغيوان الذي سبق لي أن استشهدت
به: " دقة تابعة دقة، وشكون يحد الباس ". أصيب لساني بالشلل، فقدت كل
تركيز، واستبد بيَ الشعور بالضياع واليأس. بقيت على هذا الحال للحظات، قبل أن
يواصل الطبيب، مضاعفا بذلك، من معاناتي، أن الحالة التي أنا عليها، تستلزم استئصال
الثدي المتضرر. وبعد أن حدد لي مجموعة من الإجراءات التي ينبغي القيام بها تمهيدا
لهذه العملية. غادرت العيادة، مكسورة الجناح، أتمتم بكلام غير مفهوم تماما كمن هو
واقع تحت رحمة الهذيان.
سرت في
الطرقات تائهة،ودموعي تسبقني قبل المي، فاقدة البوصلة، وكلما حاولت استجماع قواي
واسترجاع قدرتي على التفكير والتركيز، انتصبت أمامي وضعية سيزيف، كما صورتها
الأساطير اليونانية. سيزيف الذي قُدِّر عليه حمل الصخرة انطلاقا من السفح، فيتسلق
الجبل، ليضعها على القمة. وكان كلما بلغ القمة وبدا وكأنه نجح في مهمته، تتدحرج
الصخرة إلى السفح، فيعود إلى تكرار المحاولة. وبذلك يبدو كمن حكم عليه بالشقاء
الأبدي. أنا أيضا، هذا هو حالي، فكلما اقتربت من وضع الصخرة في مكانها والخلاص من
ورم، حتى أجد نفسي أمام صخرة جديدة، منقادة إلى النهوض بأعباء ورم آخر، وكأن
معاناتي، مثل سيزيف، لا نهاية لها، وكأن الشيميو تعلق بيَ في علاقة عشق لا فكاك
منها. غير أن ثقتي في الله عز وجل كانت ولاتزال هي ملاذي وسلاحي، ودأبي على
الانتباه إلى ما يمكن أن أستمد منه الطاقة الإيجابية، جعلني أستلهم من قصة سيزيف
احتفاظه بالأمل وعدم الاستسلام لليأس. فاقتنعت بضرورة خوض شوط آخر من الصراع مع
المرض.
عدت إلى
البيت، لم أكن في حاجة إلى الحديث لزوجي وأنجالي عما استجد. فقد استوحوا الحقيقة
من الحالة المزرية التي كنت عليها. ومن أجل التخفيف عني، ولما كانوا يعلمون عشقي
لهذه المدينة وولعي بالمناظر الطبيعية، اقترحوا عليَّ قضاء ساعات بمدينة يفرن.
عدنا إلى فاس،
وقضيت ليلة عصيبة، كانت الآلام الفظيعة تمزق كياني. صباح اليوم الموالي، اتصلت بي
لالة حكيمة بهدف الاطمئنان علي ، لكن لم أستطع البوح لها بشيء. أحست، من خلال
نبرات صوتي أن هناك ما يدعو إلى القلق. وبعد إلحاحها الشديد، لم أجد بدا من أن
أكشف لها عن كل التفاصيل باكية وحزينة لما اصابني. فما كان منها إلا أن أرشدتني
إلى زيارة طبيب اخر،ومن ثم أخذ القرار المناسب، فأرشدتني لزيارة طبيب لحسن الحظ،
كانت عيادته توجد على قرب من منزلي. يتعلق الأمر بالدكتور عز الدين حسيني .
التحقت بعيادة
الدكتور حسيني، كانت مكتظة بالمرضى. اجتاح أنفاسي شعور غريب، أحسست وكأني في مكان
غريب، بين ناس غرباء. كنت أشعر أن حالتي لا تتحمل الانتظار، لذلك تقدمت نحو
الممرضة. أدليت لها باسمي، فأخبرتني بأن
الدكتور على علم بقدومي، وأنه سيستقبلني بعد قليل. استبد بي الشعور بالخوف مما قد
سيحدث، والقلق، وفكرت في مغادرة المكان يائسة من أن أجد هنا الحل لمعاناتي. وبينما
كانت أمواج هذا المخاض تتلاعب بيَ، لالة
حكيمة تتصل بيَ مجددا، وتدعوني إلى الاطمئنان مؤكدة بأن كل شيء سيكون على ما
يرام.وأنني بين أيادي أمينة،
ومع ذلك، وعلى
الرغم مما كان لكلامها ، من وقع طيب عبى نفسيتي، إلا أنني لم أستطع التخلص من
الشعور بالقلق والتوتر. بعد لحظات، نادتني الممرضة، فاستقبلني الدكتور حسيني، تحدث
بكل إنسانية ولطف. في الواقع، وبسبب حالة القلق واليأس التي كنت عليها، لم أكن
أتابع ما يقول. لم أكن أسمع إلا لصدى ما يعتصر كياني من آلام.
لا أدري، ولحد
الآن، أي مارد سكنني، تلك الأثناء، وجعلني أنفجر، أمام الدكتور، شاكية منكسرة:
" والله، لقد تعبت من مرضي واكتويت بنار التكاليف الباهظة، على الرغم من
تعويضات التغطية الصحية. لم أعد أقوى على الصبر، لقد أناخ علي الدهر بكلكله.
لم أنتبه إلى
زلتي إلا حين لاحظت أن الطبيب ظل صامتا. رجعت إلى نفسي، فأدركت أنه هو لا ذنب له
فيما حصل ليَ. اعتذرت، وبمجرد ما استعدت هدوئي، بادر هذا الدكتور الطيب والرحيم
إلى القول: لأثبت لك أنك لست وحدك في مقاومتك للداء، فإني أتنازل عن مستحقاتي
الخاصة بإجراء عملية الاستئصال، داعيا لي بالشفاء وملتمسا من الله أن يقويني
ويعينني على تحمل تداعيات هذا التدخل الطبي. أدركت، حينئذ، أنني أمام إنسان رائع،
يتميز بالنبل والرقة ،فله مني كل الشكر والامتنان،لجميل معروفه،وأدعو الله أن يقر
عينه بأنجاله ، ورفيقة دربه ،وأن يحفظ الله سبحانه والدته العظيمة، ولاانسى رفقا
ئه المخلصين ومعاونيه ،خاصة الاخت زينب ،التي لم تبخل بالمساعدة ،وكذلك الاخت رجاء
،لهما اقول حفظكما ربي من كل سوء.
يتبع ...