بقلم امال
عبدالرسول
العودة إلى
فاس
يقول ابن عطاء
السكندري: " ما عند الله، جل جلاله، لا يطلب إلا من الله سبحانه ".
ويقول أحد المفكرين: " العقل محراب مقدس، يعجز الشيطان أن يدخله، أما النفس،
فهي وصيفة إبليس ". ونفس المرء إن لم
يشغلها بالحق، شغلته بالباطل. على هدي هذه الحكم المنيرة، واصلت التجديف، على
الرغم من قوة أمواج الآلام واجتراع أكوام الأدوية ومسلسل الخضوع للكشوفات
والتحاليل، راضية بحكم القدر، صابرة، محتسبة، سائلة المدد والسند من الله سبحانه.
ومع الأيام،
صار جهاز المناعة يسترد حيويته، وبدا جسمي يميل قليلا إلى المسالمة والمهادنة، بعد
ما أظهره من انتفاضة وتمرد (التقرحات/ الآلام المضاعفة/ تساقط الشعر، الأرق
الشديد). إثر ذلك، قرر الطاقم الطبي المشرف على حالتي إخضاعي لحصة أخرى من زراعة
النخاع. كانت الممرضات قد اتخذن جميع الإجراءات والاحتياطات اللازمة. وبكل صراحة،
مرت حصة حقني بالخلايا الجذعية الوليدة في ظروف جيدة. كالعادة، أحسست، عقب ذلك
بدواخلي تتمزق من شدة الآلام. تمالكت نفسي والتجأت الى ربي، عوني وسندي. كان خير
ما استحضرته حينئذ قول ابن تيمية: " جنتي أحملها في صدري ".
توالت الأيام،
وبدأت حالتي تتحسن تدريجيا، رغم تلك الآلام الرهيبة التي تأبى أن تفارقني. وجاءت
اللحظة التي طالما اشتقت إليها. فبعد أن وقف الأطباء على كون نتائج العملية
إيجابية ومفرحة، اتخذوا قرار خروجي من المستشفى. فعدت الى مسقط رأسي، إلى فاس،
مدينتي وحبيبتي فاس، مهد الحضارة ومنارة العلم.
كنت أدرك أن
شكلي تأثر بفعل التدخلات الطبية والخضوع للأشعة والآثار الجانبية للأدوية التي
أتجرع. لكن، بعد عودتي إلى فاس، ونظرات زواري إليَّ، غدوت أنتبه إلى تلك التداعيات
أكثر. كانت حالتي مزرية: تساقك الشعر والهزال الذي أصابني والشحوب الذي مس ملامح
وجهي وتغير لون جلدي، كل ذلك جعل كل من يزورني يتعجب ويندهش من هذا التحول الكبير
الذي طالني، على الرغم من محاولاتهم إخفاء ذلك. لكني كنت مقتنعة بأن ربي الذي كان
لي نعم السند، فيما اجتزته من امتحانات صعبة، سيكون بجانبي على الدوام.
واصلت أخذ الأدوية
المكملة لزراعة النخاع. وشاءت الأقدار أن أصادف في رحلتي هاته إنسانة مفعمة
بالمحبة واللطف والطيبوبة وروح الإيثار. يتعلق الأمر بالأستاذة الفاضلة بهيجة
كويمي، مؤسسة ورئيسة جمعية أمل،وقد عرفني بها ،الأستاذ ياسين ،انسانا خلوقا ،له
مني كل التقدير والاحترام .قلت ،تعرفت على الرائعة بهيجة كويمي ،والتي يأتي على
رأس أهدافها استقطاب مرضى سرطان الدم. ليس من المبالغة التصريح بأن الأستاذة بهيجة
تشرف، بكفاءتها وتفانيها، المرأة المغربية في المحافل الوطنية والدولية. يظل فضلها
عليَّ، بعد الله، كبير، لم يحدث أبدا أني طرقت بابها ووجدته موصدا في وجهي،هي قرة
عيني،انسانةراىعة،لها اقول احبك وكفى. عن طريقها تعرفت على إنسان طيب ورحيم ،ومحب
للخير، ذي كفاءة في مهنته، إنه الاستاذ الفاضل الحسين مهمال الذي كان لي أيضا وما
يزال سندا وداعما،ومن هذا المنبر ،اتوجه له بالشكر،على جميل صنعه،وحفظه ربي من كل
سوء.
توالت الأيام وبدأت ألمس تحسنا كبيرا في حالتي.
غير أن شعوري بالاطمئنان لم يكن إلا مؤقتا. فقد شاء القدر أن يلم بي مرض آخر، لا
علاقة له مع الميالوما المتعددة، إنه سرطان الثدي. وهنا سأجد نفسي، وقاكم الله
تعالى، أعيش مرة أخرى تجربة حبلى بالمعاناة والآهات.
لا يسعني،
وأنا أتذكر تلك المعاناة، سوى استحضار هذين البيتين المعبرين للإمام الشافعي:
يامن يرى ما
في الضمير ويسمع أنت المـــعــــــد
لكل ما يتوقع
يا مــن يرجى
للشدائـــــــــــد كلها يامن إليه
المشتكى والمفزع.
يتبع ...