بقلم الأستاذ حميد طولست
رغم ما
لعبته المرأة الأمازيغية من أدوار أساسية في الحفاظ التراث الثقافي الحضاري
الأمازيغي ونجاحها في الحفاظ عليه ونقله
عبر الأجيال إلى أن وصل للألفية الثالثة، بدليل استمرار اللغة الأمازيغية منذ
العصر الحجري الحديث إلى يومنا هذا، في الوقت الذي انقرضت فيه لغات حضارات عظيمة
حول البحر الأبيض المتوسطً ، كاللغة البونيقية "الفينيقيين" واللغة
"الاتينية الرومانية" و اللغة الفرعونية ، ورغم ما تركته ديناميتها
المجتمعية -التي أحرزت فيها السمعة الطيبة
والنفوذ الكبير- من بصمات منحوتة بأحرف تاجيّة وبدم زكيّ وبصمود شامخ ، لا يمكن
محوها ، فإن دورها لايزال أحد المواضيع التي لم تُدرس بما فيه الكفاية، أو ربما لم
تُدرس البتة ، وبقي شبه غائب في البحث الأكاديمي ، ومُتجاهل بشكل كامل تقريبًا في
الكتب التعليمية والمدرسية ، وقليلا ما يُثار النقاش العام حوله بالجدية والقدر
الذي يوازي ما قدّمته من ثمار إبداعاتها
من أجل الإنسان والمجتمع المغربي الأصيل ، الذي نسيها كما تناستها الجهات الثقافية
الرسمية المعنية ؟
ومهما يكن الأمر
، فإننا لو قمنا بقراءة بسيطة للتاريخ الرسمي الذي كتبه حصريا المؤرخون العرب
والمعربون ، فإننا سنجد أن المرأة الأمازيغية في بلادنا وفي دول شمال إفريقيا ، قد
تجوهلن عمدا ، وهمشن قهرا ، واستبعدن بشكل غير منصف –إلا ما ندر- عن منصات ومحافل
تكريم نساء الطبقات البورجوازية ، التي إعتاد القيام بها المستعربون الذين لا
ينظرون بعين الرضا لتميز الأمازيغيات عبر التاريخ ، كمحاربات ورائدات وزعيمات
وملكات وما اشتهرن به من إلتزام وشجاعة في الدفاع عن وطنهن "تمزغا"
وتقديس هويتهن الأمازيغية الأصلية، والحفاض على لغتهن ، فلم يُبادروا -رغم الاعتراف بها وترسيمها دستوريا كلغة وطنية
- إلى إعادة النظر في وضعها في البرامج المدرسية ومراجعة ما يتعلق بالتاريخ
الأمازيغي الأصيل عامة ، وتاريخ النساء الأمازيغيات ، حتى تتصالح الأجيال الجديدة
مع نماذج النساء الأمازيغيات اللواتي تصدرن مشاهد الأحدات التاريخية -المضيئ منه
أو المظلم- والتي سأحاول في هذه العجالة تسليط الضوء وبكل اختصار على بعض النضالات
التاريخية للأمازيغيات والتي كانت جزء من النضالات الإنسانيّة الطّامحة في الغد
الأفضل ، واليوم الذي يقطع فيه التكتل والانتقاء "العروبي" -الذي لا
يؤمن معتنقوه بأن بناء دولة الحق والقانون لا يتأتى من دون النهوض بأوضاع المرأة
دون تمييز- مع التجني والإقصاء الذي يطال المرأة الأمازيغية دون أختها المغربية
غير الأمازيغية -والذي يبقى وساما لها ووصمة عار لجلاّديها- ، التي ساهت هي أيضا
بشكل أو بآخر في المقاومة ضد المستعمر بكل بلاد تمزغا بشمال إفريقيا، وعلى
رأسها المغرب والجزائر حيث كانت النساء
الأمازيغيات تشارك في معارك التحرير بمراقبة تحركات قوات العدو وإبلاغهم بتحركاته
،وتزود المقاتلين بما يحتاجونه من مؤن وطعام، وتعبّئ البنادق وتعوّض أحياناً
قتلاهم في الجبهات ، ولم تقف مساعتهن للمقاتلين في الجبهات عند هذا الحد، بل كن
يعمدن إلى طلاء الفارين من المعركة بالحناء للسخرية منهم وتحقيرهم ، ومنع زوجاتهم
من التزود بالماء من الآبار والعيون ، بل وصل إمعانهن في السخرية واحتقار الفارين
أن كانت نساء من قبيلة "غمارة" تتقدم بطلب الطلاق من أزواجهن الرافضين
المشاركة في المعارك. وقد سطعت الكثير من أسماء بطلات مقاومة الاستعمار في شمال
افريقيا ، نذكر منهن على سبيل المثل لا الحصر،
ــــــــ فاظمة
ن سومر، بطلة عظيمة من منطقة القبائل تزعمت جزءًا من المقاومة ضد الغزو الفرنسي،
بين عامي 1855 و 1857 واستطاعت بمعية شقيقها الطاهر، تنظيم مقاومة بقبائل آيت
إتسوريغ ، إيلّيلتن، آيت إيرّاتن، إيلّولين ن أومالو ،ضد المستعمر الفرنسي
وانتصارت عليه في معركة تازروت عام 1855، وتم القبض عليها في معركة عام 1857 بعد
عودة الجيش الفرنسيين مدججا بالتعزيزات العسكرية والبشرية.
وفاطمة اعزاير
من شفشاون وكذا "هيدنة"، وهي شقيقة المقاوم الذي نجح في اغتيال الضابط
فالديفيا ببني عروس. وعائشة أبي زيان الفتاة الصغيرة التي خاضت معركة أنوال
الشهيرة عام1921 ولم يتجاوز عمرها العشر سنوات فقط إلى جانب مامات الفرخانية
وعائشة الورياغلية وحدهوم الحسن .
ونجد في الاطلس
المتوسط إيطو موحى أوحمو الزياني ابنة موحى أوحمو الزياني الذي خاض غمار المقاومة
رفقة والده ضد الاستعمار الفرنسي.
وفي منطقة سوس،
يمكن الإشارة إلى عائشة الباعمرانية، من قبيلة ايت باعمران، والتي استشهدت بمعركة
آسّاك سنة 1916 ،وعدجو أوموح من قبائل أيت عطا ، بمنطقة أسامر بالجنوب الشرقي
والتي برزت خلال مقاومة المستعمر الفرنسي بجبل صاغرو في معركة بوغافر سنة 1933،
التي استشهدت فيها 117 امرأة، حسب الكثير من المصادر.
وغيثة علوش،
زوجة قائد جيش التحرير المغربي عباس السعدي، وفاظمة ميمون الحموتي، زوجة المقاوم
محند خيضر، التي كانت تساند وتدعم بشكل كبير، رفقة زوجها، أعضاء جيش التحرير
الوطني بالجزائر الذين اتخذوا من منطقة بني انصار بإقليم الناظور مخبأ لهم ، وغير
هذه الثلة من العملاقات الأمازيغيات
اللواتي أبدعن في كل مجالات الحياة ، ولم
يُنصَفن في حياتهن ولم يكرّمن حتى بعد رحيلهن ، واللواتي يجب أن نقف إكبارا وإجلال
لنتقدم لهن نيابة عن كل المنصفين بأخلص التحايا وأصدق التقديرات التي يستحقنها عن
جدارة ، ونقول عيدكن مبروك وحقن عند الله محفوظ .