بقلم الأستاذ حميد طولست
لاشك في أن مغربنا جميل ورائع جدا ،
لكن شعبه مصاب بسوء الحظ ونحسه ، بدليل أنه ما كاد يتحرر من شوفينية المتاجرين
بالدين بعد فشل تجربتهم في قيادة الحياة السياسية، واحتواء مشهدها ، حتى أوقعه حظه
العتر في براثن الذين لا هم لهم "غير الكراسي وفعل المآسي" الذين
ويدمنون كل أشكال هوس النجومية والظهور ، ويعيشون وهمها المزور بكل صوره البراقة
ومظاهره الخداعة وقيمها الاستهلاكية الغبية ، التي يتكالب عليها السفهاء الجهلاء
الغافلين الضائعين قليلي الحيلة ، للاستعاضة بواسطتها على مركبات النقص وعقد الفشل
والعزلة الاجتماعية ، والمداراة بها عن الكثير من العل النفسية ، التي يعيشها من عميت بصائرهم إلاّ من ذواتهم ، الذين يرون
أنّ الإبتسامات لا تهدى إلا لهم ، وأن الاحترام لا يقدم إلا إليهم ، وأن الإعجاب
لا يكرس إلا لحضراتهم ، وأن النظرات لا توزع إلاّ لجنابهم ، وأن التصفيق لا يجبى
إلا لمنجزاتهم ، وغير ذلك من المشاعر البلهاء ، والأحاسيس الغبية ، التي تمنحهم
النشوة الزائفة بالانتصار الوهمي والإنجاز الرخيص الذي يسرقهم من حقيقة واقعهم
البائس ، والذين تزايد عددهم بعد إنتخابات 8 شتنبر ، وكأنهم قادموا من رحم
المصادفة العمياء ، أو من ميادين الخيانة الخرساء ، ليتفنوا في ابتكار كل أساليب
تسويق أنفسهم ، وصناعة وجود وهمي وآني لذواتهم ونجاحاتهم ومنجزاتهم غير الحقيقية،
التي ألفوا أن يخطفوا بها ما ليس لهم من الرفعة والكرامة، والإدّعاء من خلالها بما
ليس فيهم من النخزة والسيادة ، وهم يعلمون أنها لا تؤتى لعابري الدروب من المرتزقة
المارقين ، السابحين في فضاءات الكبر
والخيلاء، الآكلين على جميع موائد الأسياد لإستجداء الزعامة وتسول الريادة ، التي
لا يؤتاها الطامع أو الحاسد أو الحاقد ولا من يحمل الضغائن الذي إن أعطى أذل، وإن
ابتسم احتقر، وإن ضحك إستخف وسخر ، ولا تنصاع راضية لمن مخيلته مريضة، وذهنيته معتلة ومعتوهة ،
الذي اختلط عليه الخطأ والصواب، حتى لم يعد يفرق بين الحق والباطل ، فغدا أضحوكة
في عيون من حوله ، الذين لم يعد له بينهم تابع أو مريد واحد ،
لقد كان على هذا النوع من الكائنات ،
أن يسأل نفسه ويسائلها عن مصير ذنبه الأخرق ، قبل أن ينفخ نفسه ، وينفش ريشه ويمشى
مشية الطاووس على قارعة الطريق ، ليفهم أن ما أقدم عليه هو فعله محرم شرعا وقانوا وأخلاقيا، لكن هيهات أن
يفهم من كان عقله مغنلق بهوس النجومية ، ولو كان ذلك بإمكانه لكلن قد أدراك أنه
فعلا أتى بمنكرا لم يتجرأ على الإتيان بمثله أهبل الحمقى الأوائل ، وأكثرهم
انبهارا بنفسه ؛ وأختم هذا الحدث الغريب والمتفرد ، الذي تُبكي غرائبها أكثر مما
تُضحك نكاتها ، بالعبارة الجميلة المناسبة لمقامه :"ما من إمرئ تكبّر أو
تجبّر إلاّ لذل وجده في نفسه" وبقول الشاعر:
ملأى السنابل تنحني بتواضع والفارغات رؤوسهن شوامخ.
و"الله يفيقنا بعيبنا" كما
كانت تقول جدتي رحمة الله عليها.