بقلم الأستاذ حميد طولست
لا يدرك الكثيرون أن هناك من لا يكتب من
أجل المال أو المجد أو الشهرة أو بدافع آيديولوجي ، وإنما يكتب لأنه مصاب بـهوس وجنون
الكتابة - شقيقا شيطان الشعر- اللذان إذا غاب
أحدهما أو كلاهما ، حفتت حماسة تعبير الكاتب عما يختلج بدواخله كإنسان ، وانطفأت مشاعر
رغبته في البوح بها للناس ، وأصيب بأخطر أنواع الإفلاسات ، الذي يعني خسارة النفس التي
ليس من السهل استعادتها ، كما هو الحال مع الافلاس المادي المرتبط عند الكثير من الناس
بخسارة المال الذي يعوض باسترجاع المال أو الممتلكات ، المتمثل في الإفلاس الإبداعي
الذي لا يجد معه الكاتب أي جديد يكتب فيه أو عنه الا قضايا لاتهم احد ، والتي يتكلف
بترديدها بلا وعي ، وعلى طريقة خالف تعرف الاستفزازية المنفرة ، التي لا تمكن الكاتب أيا كان من إمتلاك تصور واضح
عن ذاته ، حقيقة لا خيالا ، ولا تشعره بوجود الفرق الكبير والكلي بينه وبين جميع المخلوقات
الأخرى ، ولا تحسسه بارتفاعه فوقها من حيث الموقع أو الكرامة أو القيمة ، واقعا لا
نفاقا.
ـــــــــ لأن من خصائص الكتابة الابداعية
، تمكين الإنسان من التعبير عن نفسه من خلال غيره ومحيطه ، وفقا لطقوس حياتية خاصة
تشعره ببعض الأنس وشيء من السلوى وقدر من المؤانسة ، لا يراها إلا هو وخالقه المطلع
على خفاياه المنطلقة من أحوال ودوافع داخلية لا تشبه أحوال الآخرين ، شبهها البعص بحالة
المخاض ، وسماها البعض الآخر بحالة التجلي ، وعزاها البعض الثالث للتوأم الداعر والناسك
، اللذان يعشان في عقل ووجدان الكاتب ، ويتناوبان على الظهور في مختلف أحداث وتجارب
حياته ورؤيته للعالم ، والمؤثر على الطريقة
التي يسلكها الكاتب في التعبير عن أفكاره وعواطفه من خلال موضوعاته التي لا تحظى في
الغالب بإعجاب القارئ واهتمامه، إذا كانت الغلبة فيها للتوأم الداعر ، بينما تتحول
الكتابة مع انتصار التوأم الناسك إلى عمل فني أكثر إشراقًا وتوهجا ، يتدفق بألوان الجمال والموسيقا وروائع
المعاني والآراء ، تدفقا يستميل الروح التي تهوى النفاذ إلى عمق حقائق الحياة الانطلاق
في فضاءات النفس الإنسانية الساعية للبحث عن ما يغري قلب وعقل القارىء لمتابعتها وهو مغمور بالفرحة والدهشة
والأسئلة.