بقلم
حميد طولست
تتطور
الأمم بتطور شعوبها ، وتتطور الشعوب بتطور إنسانها الذي يتطور بدوره بتطور مؤسساته
التي تحمل شعلة التطوير والتجديد والمساهمة في المراجعة والتصحيح وتقديم الحلول لمشاكل
يئن المواطن تحت أوزارها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية ، والتي من بينها
على سبيل المثال لا الحصر ، معضلة السلامة الطرقية ، وتداعيات وخطورة الاستهتار بأنظمتها
المرورية ، وعدم التأقلم مع قوانينها، عكس ما هو عليه حال من الإنسان الغربي ، الذي
تمكن ، بكل يسر ، من التعايش مع أنظمة السير وقوانين الجولان التي فشل هو في التأقلم
معها الإنسان في بلادنا وفي أي بلد عربية أخرى ، فلماذا يا ترى يخفق المغربي والعربي
في ذلك ويفلح غيره الغربي؟؟ .
طبعا
الجواب لا يحتاج منا تخمينا كبيرا أو احتمالات
معقدة ، لأنه بكل بساطة بيِّن وواضح وضوح الشمس ، وتكراره يبقى مجرد تحصيل حاصل ، لأن
السبب واحد وفريد ، ويمكن تلخيصه في التملص من مسؤولية ، نشر ثقافة المرور بين المواطنين
، لتصبح الخصلة الأساسية التي يتحلون بها بأريحية ، وتغدو بينهم قيمة أخلاقية تدفع
بهم للإنخراط الطوعي في الحفاظ على أرواح الناس ، وصون ممتلكات الوطن ،كما هو الحال
بالنسبة لإنسان الشعوب المتحضرة ، الذين ارتبطت لديهم الثقافة المرورية ارتباطا وثيقا
بحياة وسلامة مجمتمعهم ، وباتت فطرة متجذرة في وجدانهم ، تخلق بدواخلهم الشعور بالأمن
والطمأنينة ، وتترك لديهم الإحساس الجميل المتصاعد بمكانتهم ووجودهم كفاعلين في تحقيق
أقصى درجات الأمن والسلامة في مجتمعهم ، وتقليل غلواء كوارث حوادث السير التي باتت
مقلقة بما تنتجه من خسائر جسيمة على كافة الأصعدة
المادية والمعنوية، الأمر الذي قلما يحدث في البلدان الغربية ، حيث يلاحظ أي زائر لها شدة تمسك إنسانها باحترام
قوانين السير ، وتفوقه على غيره في انضباطه لقواعد الجولان، دون عصبية أو تشنج ، حتى
في أشد الاختناقات المرورية وأخطرها ،التي تتكدس خلالها آلاف السيارات والشاحنات لساعات
طوال ، السلوك الذي يدفع بالكثير من المهتمين للتساؤل عن سبب سعة الصبر تلك ، وهل هي
ناجم عن ارتفاع مستوى جودة التعليم أو هي من ارتفاع درجة الوعي بقيمة الانضباط لقوانين المرور، او هي
نابعة من سمو الأخلاق واحترام الحياة ، أم
انها لا تعدو مجرد نتاج للخوف من الصرامة والجدية في تطبيق القانون ؟ على العموم ،
ومهما كانت الأسباب والحيتيات ، فإن هذه المعضلة قد شغلت مساحة كبيرة من تفكير المواطنين
والمسؤولين على حد سواء ، وأقلقت كل من يريد أن يكون السير في هذا البلد سليما آمنا
، كما هو الحال في البلدان المتحضرة ، الشيء الذي يدعو إلى التحرك السريع والفعال لمختلف
الأطياف الاجتماعية والسياسية ، وكل النخب المثقفة ورجال التربية والمنظرين والفعاليات
الاقتصادية والجمعوية والدينية ، لتهيئة أجواء مصالحة المغاربة مع طرقاتهم قوانين السير
عليها، والتي اجزم ان عموم المغاربة لديهم الاستعداد الكبير ، للمساهمة التطوعية والمشاركة
التلقائية في وأد الاستهتار بقوانين السير و خرقها ، ولا تنقصهم إلا القدوة الحسنة
والمبادرات الجادة ، مثل المبادرة التي قامت بها مؤخرا "الهيئة المغربية لجمعيات
السلامة الطرقية بالمغرب" بمعية 30 جمعية من مختلف ربوع المغرب ، والمتمثلة في
القافلة التي زارت أقاليمنا الجنوبية لنشر مثل تلك الثقافة المرورية السليمة بين أهلنا
هناك ، والتي نشكر كل اعضائها من خلال رئيس لجنة الإعلام الهيئة ، الناشط الجمعوي والصحفي
المقتدر الأستاذ محمد جمال النخيلة ، الذي غطى جزء من رحلة القافلة ؛ فما أحوجنا إلى
مثل هذه المبادرات التنويرية الجادة التي تنم على اهتمام جمعيات المجتمع المدني بسلامة
مواطني هذا البلد وأمنهم.