بقلم الأستاذ حميد طولست
كثيرا ما نسمع عبارات من قبيل : "الّي ما عندو فلوس كلامو مسوس "
و"المال كيدير الطريق فالبحر" وغيرها كثير من العبارات التي تستعمل في الحياة
العامة للتدليل على "أن المال عصب الحياة" وأنه قوة خارقة في تحقيق المطالب
والرغبات في كافة الميادين بما فيها السياسة التي لا ينفكُّ يلعب الأدوار الخطيرة في
تحريك دواليبها ، ما يغري محتلف النظم السياسية، ديمقراطية كانت أو ديكتاتورية أو حتى
الإسلامية ، بتوظيفه بشكل مبالغ فيه ، يجعلههما وجهان لعملة واحدة ، كما هو الحال في
البلدان التي "ليست فيها قوانين تمنع قادتها من استخدام مؤهلاتهم المالية للوصول
إلى السلطة ،على اعتبار أن المال " لبن
السياسة" كما فعل برلسكوني في ايطاليا ، ودونالد ترامب في الولايات المتحدة ،
وأندريه بابيس في جمهورية التشيك، الذين تصدروا الهرم السياسي بفضل زواج المال بالسياسة
، والذين سار السيد عزيز اخنوش على خطاهم في أول تجربة تعرفها بلادنا في العهد الديموقراطي
الجديد ، حيث إستطاع صاحب أكبر ثروة مغربي – ورث حصته في أكوا عن والده، الذي أسس الشركة
عام 1932- إقناع الطبقة الاجتماعية البرجوازية وفي نفس الوقت الطبقة الفقيرة بوضع الثقة
في حزبه الذي فاز فوزا عريضا مكنه من تصدر الهرم السياسي بالمغرب - وفي وقت وجيز –وحصول
رئيسه على أعلى منصب سلطة بعد الملك الذي عينه رئيسا للحكومة بعد الإنتخابات التشريعية
الأخيرة ، التي تميز فيها حزب التجمع الوطني للأحرار باستعداده الجيد والمبكر للتعبئة
الانتخابية التي وظف للدعاية لها الإمكانات المالية الضخمة للدعاية ، عبر وسائل التواصل
الاجتماعي والمواقع الإلكترونية وعشرات الأقلام الصحفية والهيئات الفنية والرياضية،
التي استثمرها للاطاحة بمنافسيه ،وخاصة منهم حزب العدالة والتنمية ، الذي إكتفى في
حملته بالتركيز على التصويت العقائدي واستغلال الدين ، والاعتماد على التيارات الاسلام
السياسي - ذراعه الدعوي "التوحيد والإصلاح" و"العدل والاحسان"
- الذي لم يمكنه من الفوز في هذه الاستحقاقات التي هيمن فيها غرماؤه - وعلى رأسهم السيد
عزيز- على الساحة السياسية المغربية، الأمر الذي أوغر صدور قادة الحزب ، ودفع الغيظ
بمريديه لإحياء الجدل القديم/الجديد حول "زواج المال والسلطة"، أو"الفصل
بين السلطة والمال" ، القضية -التي برزت في إطار التحول الذي حدث بعد حركة 20
فبراير 2011 وظل النقاش يتجدد حولها بين الفينة والأخرى- التي جدد الاسلاميون طرحها
للنقاش قبيل الانتخابات ، وروجوا لها بشدة خلالها ، وتداولوها بحدة بعد ظهور النتائج
المهينة التي تحصلوا عليها ، وذلك ليس بدافع فضح المتاجرين والفاسدين والدجالين وأصحاب
السوابق من جميع الأحزاب ، يمينية كانت أو يسارية أو اسلامية ، أو بهدف تخليق الحياة
السياسية ، أو الحفاظ على ما تتطلبه الانتخابات من نبل ورقي ونزاهة وتحضر وانضباط للقانونين
الاخلاقية العالمية والوطنية ، كما يمكن أن يتبادر إلى بعض الأذهان البسيطة..
لكن بهدف التلاعب بالعقول -الذي يثقن الإسلاميون فنونه-عبر إنتاج قوالب ومعلبات
أيديولوجية سهلة النفاذ إلى لاوعي الجماهير لشيطنة شخص أو هيئة ، وتأليب الرأي العام
عليها وإذكاء الحقد الطبقي والضغينة التي يكنها المسحوقون لأصحاب المال ، والتي يعتمدون
في تمريرها على التأكيد والتكرار والعدوى -حسب كوستاف لوبون في سيكولوجية الجماهير-
وعلى العاطفة الدينية أسهل المداخيل لتمرير أي فكرة كيفما كانت .
وخلاصة القول أني هنا في هذا المقال لست مرتهنا لأي طرف من الأطراف ، ولا أنطلق من رغبة في الشماتة ، أو أنزع نحو القتل
الرمزي لأحد مكونات المشهد السياسي ، كما أنني لا أميل إلى "لحس الكابا"
لأحد ، لأن ذاك ليس من نهجي وأسلوبي في التعاطي مع القضايا ، والتي أقف حيالها مع الحق
أينما تبينته، والذي وجدته في هذه النازلة مع مقولة تروتسكي التي يقول فيها :
"لا أثق بحافي القدمين الذي يناضل من أجل الحصول على حذاء ، لكني أثق بالذي يرتدي
حذاء ويناضل من أجل حصول الحفاة على أحذية" ، والتي تؤكد المسلمة شبه الرياضية
التي أوردها الأستاذ "الصادق بنعلال" في مقالته المعنونة :" العدالة
والتنمية جاء بالديمقراطية وبها خرج !" والتي جاء فيها :"أن الشعوب في مختلف
التجارب السياسية العالمية تصوت لمن يدافع عن مصالحها الدنيوية اليومية وقدرتها الشرائية
ورغبتها في العيش الكريم ، أما المبادئ والقيم
وحسن النوايا والسلوك رغم أهميتها ومكانتها الأساسية في المنجز السياسي ، فإنها لا
تندرج بشكل مباشر في انشغالات المواطنين، المحصورة في غالب الأحيان في حق الشغل والصحة
والتعليم والسكن والأمن"، ولذلك نجد أن الشعب المغربي لم يخرج عن هته القاعدة
، وعاقب من ضرب مكتسباته المادية والاجتماعية بعرض الحائط وخدعه بالوعود كاذبة ويتمسك
بتحسين أحواله المادية على حساب تحسين مستواه المعيشي، بدليل تصريح كبيرهم السيد بنكيران
في خطاب له أمام وسائل الإعلام المنظور والمسموع والذي قال : "جينا باش نحلو شوية
المشاكل ديالنا، وتْحَسَّن أحوالنا المادية ما فيها باس"، التصريح الذي جعل المواطن
المغربي يرى في السيد أخنوش المنقد القادر خلق الديناميكية الكفيلة بتطوير الإقتصاد
المغربي، فعقد كل تطلعاته وآماله ، ووضع جميع رهانات عليه ، رغم جمعه للمال والسلطة.
فهل سيفيد المغاربة بتجربته الناجحة في المجال الإقتصادي و المالي و ستطيع بدلك
أن يخلق ثورة إقتصادية ناجحة بالمغرب؟