adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/04/01 - 9:00 م

 بقلم الكاتب الصحفي عيسى فراق ـ الجزائر
علمونا في المدارس أن القضاء على العبودية هو أكبر إنجازات الحضارة، و أن الزمن الذي كان فيه البشر عقارا يورث و إرثا ينقل قد ولى إلى غير رجعة، و انحدر إلى الأبد مع المشروع الاستعماري الذي ابتدع هذه الضلالة.
و لكن ما لم يقولوه لنا حقا هو أن العبودية باقية ما بقي البشر، و كل ما حدث هو أنها حصلت على «نيولوك«، أو بعبارة أدق غيرت اسمها من العبودية إلى«تجارة البشر»، و بدلا من أن كانت تمارس بالقوة و القهر، أصبحت تمارس الآن بالخديعة و الاحتيال، بل و بقوة القانون في كثير من الأحيان.
 و من يتصور أن هذا الكلام هراء أو مغالاة في جلد الذات، ما عليه سوى أن ينظر فقط إلى الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة، و التي تقول أن أكثر من17 مليون شخص يجري الاتجار بهم سنويا في مختلف أنحاء العالم، و مما يزيد الأمر سوءا أن أكثر من 70% من هؤلاء البؤساء من النساء و الأطفال الذين يجبرون على العمل في الدعارة و يتعرضون لأبشع صور الاستغلال بسبب الفقر الذي يعيشون فيه هم و أسرهم، و الذي يدفعهم إلى القبول بكل شيء و أي شيء، من أجل ملء بطونهم الخاوية .
و لا عجب بعد ذلك إن كانت سوق العبودية الحديثة أو تجارة البشر تتجاوز 42 مليار دولار، متفوقة بذلك على سوق تجارة المخدرات، و من المتوقع لها خلال سنوات قليلة أن تتجاوز أيضا سوق تجارة السلاح، لتتربع بذلك على عرش النشاط الإجرامي الأول في العالم.
و لعلي لا أغالي كثيرا إذا قلت إن قيمة العبيد فيما مضى كانت أكبر بكثير من قيمتهم الآن، فوفقا لموقع «حرروا العبيد» و هو موقع متخصص في  مكافحة العبودية، فإن عدد العبيد اليوم يصل إلى 33 مليونا يتوزعون على خمس قارات، لا فارق في دول بين دول متقدمة و دول متخلفة، و تصل قيمة العبد اليوم وفقا للموقع ذاته إلى 95 دولارا فقط، بينما كانت قيمته عام 1850 مثلا تقدر بنحو 40 ألف دولار بأسعار اليوم، و لكن العمولة و انخفاض تكلفة النقل، حول البشر إلى سلعة تستهلك لمرة واحدة و بعد ذلك تلقى في القمامة.
و إذا كنت عزيزي القارئ تحاول أن تقنع نفسك بأننا أبرياء و بعيدون عن هذا العار و هذه التجارة الآثمة فإنك واهم مهما حاولت أن تخدر ضميرك، ببساطة لأن كل الاقتصاد العالمي قائم على هذه العبودية و ما ننتجه من سلع و خدمات يكون هؤلاء العبيد وقودا لها، بدءا من زراعة القطن المستخدم في صناعة الملابس الفاخرة التي نرتديها، و الشاي الذي نرتشف قطراته و نحن مسترخون على أرائكنا الوثيرة، و السجاد الفخم الذي تدوسه أقدامنا، و انتهاء بالصلب الذي تصنع منه سياراتنا الفارغة التي نمخض بها عباب الطريق.
 و ليس هناك شك في أن إنهاء العبودية مسؤولية الجميع حكومات و منظمات دولية و شركات و مستهلكين، و لكنه أيضا مسؤوليتك الشخصية أولا و أخيرا.