علمونا في المدارس
أن القضاء على العبودية هو أكبر إنجازات الحضارة، و أن الزمن الذي كان فيه البشر عقارا
يورث و إرثا ينقل قد ولى إلى غير رجعة، و انحدر إلى الأبد مع المشروع الاستعماري الذي
ابتدع هذه الضلالة.
و لكن ما لم يقولوه
لنا حقا هو أن العبودية باقية ما بقي البشر، و كل ما حدث هو أنها حصلت على «نيولوك«،
أو بعبارة أدق غيرت اسمها من العبودية إلى«تجارة البشر»، و بدلا من أن كانت تمارس بالقوة
و القهر، أصبحت تمارس الآن بالخديعة و الاحتيال، بل و بقوة القانون في كثير من الأحيان.
و من يتصور أن هذا الكلام هراء أو مغالاة في جلد
الذات، ما عليه سوى أن ينظر فقط إلى الإحصاءات الرسمية للأمم المتحدة، و التي تقول
أن أكثر من17 مليون شخص يجري الاتجار بهم سنويا في مختلف أنحاء العالم، و مما يزيد
الأمر سوءا أن أكثر من 70% من هؤلاء البؤساء من النساء و الأطفال الذين يجبرون على
العمل في الدعارة و يتعرضون لأبشع صور الاستغلال بسبب الفقر الذي يعيشون فيه هم و أسرهم،
و الذي يدفعهم إلى القبول بكل شيء و أي شيء، من أجل ملء بطونهم الخاوية .
و لا عجب بعد ذلك
إن كانت سوق العبودية الحديثة أو تجارة البشر تتجاوز 42 مليار دولار، متفوقة بذلك على
سوق تجارة المخدرات، و من المتوقع لها خلال سنوات قليلة أن تتجاوز أيضا سوق تجارة السلاح،
لتتربع بذلك على عرش النشاط الإجرامي الأول في العالم.
و لعلي لا أغالي
كثيرا إذا قلت إن قيمة العبيد فيما مضى كانت أكبر بكثير من قيمتهم الآن، فوفقا لموقع
«حرروا العبيد» و هو موقع متخصص في مكافحة
العبودية، فإن عدد العبيد اليوم يصل إلى 33 مليونا يتوزعون على خمس قارات، لا فارق
في دول بين دول متقدمة و دول متخلفة، و تصل قيمة العبد اليوم وفقا للموقع ذاته إلى
95 دولارا فقط، بينما كانت قيمته عام 1850 مثلا تقدر بنحو 40 ألف دولار بأسعار اليوم،
و لكن العمولة و انخفاض تكلفة النقل، حول البشر إلى سلعة تستهلك لمرة واحدة و بعد ذلك
تلقى في القمامة.
و إذا كنت عزيزي
القارئ تحاول أن تقنع نفسك بأننا أبرياء و بعيدون عن هذا العار و هذه التجارة الآثمة
فإنك واهم مهما حاولت أن تخدر ضميرك، ببساطة لأن كل الاقتصاد العالمي قائم على هذه
العبودية و ما ننتجه من سلع و خدمات يكون هؤلاء العبيد وقودا لها، بدءا من زراعة القطن
المستخدم في صناعة الملابس الفاخرة التي نرتديها، و الشاي الذي نرتشف قطراته و نحن
مسترخون على أرائكنا الوثيرة، و السجاد الفخم الذي تدوسه أقدامنا، و انتهاء بالصلب
الذي تصنع منه سياراتنا الفارغة التي نمخض بها عباب الطريق.
و ليس هناك شك في أن إنهاء العبودية مسؤولية الجميع
حكومات و منظمات دولية و شركات و مستهلكين، و لكنه أيضا مسؤوليتك الشخصية أولا و أخيرا.