بقلم الاستاذ حميد
طولست
لقد استطاعت إنتهازية
تجار الحروب والأزمات ، منذ بداية انتشار كورونا، أن ينقلوا "الكمامات" من أروقة المستشفيات الى الشوارع والأسواق ، لتعرض بتصاميم وألوان وأشكال
مختلفة كأهم اكسسوارات الحياة اليومية ، بعيدا عن غاياتها الطبية وأهدافها الوقائية
، التي استعملت من أجلها لأول مرة نهايات القرن التاسع عشر من طرف الطبيب الفرنسي
"بول برجر" كإجراء طبي أخلاقي ، وعلامة وعي وتحضر، لا تحمل بصمة لاهوتيةٍ
أو لا تعصب لأي لون ، أو مرجعية معينة ، أو دفاع عن معتقد أيديولوجي أو ديني أو تشبه بالكفار ، كما يروج لذلك فقهاء العته اللاهوتي ،
المهوسين بتحريف كل شيء عن غايته وتحويره عن معانيه ودلالاته وتاريخيته ، ولصق التأويل
الديني به ، السلوك الهجين و التصور ساذج الذي
لا يؤكده واقع الكمامات التي ما هي في حقيقة أمرها إلا مجرد قطع قماش معقّم ، تحمل
في طياتها لياقة التعامل الإنساني مع رفع الحدث إلى مرتبة ضرورة إبقائه الأنسان معافاً
ومصوناً ، بتقوية مناعته ، ووقاية نفسه من العدوى ، وتجنيب غيره منها ، بلا تصنيف أو
عنوان لا هوتي فارز ، يشوه شفافية الكمامات
وحياديتها التي لا تقول شيئاً غير ما تنقله من التحدير من وخطر الوباء، الأمر الذي
يجعل من الإصرار على لصق التأويل الديني بها ، مجرد خرافة يحركها العجز الساكن بدواخل
بعضنا حيال التعامل مع الأزمات ، تذكيها الرغبة
في التنصل من المسؤولية بشكل غير متحضر لدى الشعوب والمجتمعات التي لا تعرف
قيمة الكمامات ولا دلالاتها أو تاريخها ، وتجهل سبل استعمالها ، ولا تجيد لياقة وخفة
ارتدائها ، ولا تحسن طرق تبديلها ولا كيفية التخلص منها ، وترفض فكرة المسافة التي
تبثها ، رغم أنها لا تستهدف عداءً ولا قبولاً لهذا أو ذاك .
ولا يسعني هنا،
إلا أن أأكد على أن مثل هذه الشعوب تحتاج إلى مراجعة للمسافات بينها والحيوان ، بعيدا
عن التأويلات الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وأتساءل ألم يحن وقت إيقاف
هذا العبت الذي بدأ يجد صدا له في الكثير من الأوساط الشعبية البسيطة، ويُعلن عن اجراءات
تنقد رفعة الإسلام وحضاريته من براثن الفكر المتخلف الذي تمثله هذه الطروحات الغريبة
الكوميدية والهزلية التي من شأنها أن تحجب عنا حقيقة الكثير مما نصبوا إليه ؟