بقلم الأستاذ حميد
طولست
تتغيّر عواطف الإنسان
وأحاسيسه المتوارية خلف مكنونات النفس البشرية ، وتتبدّل طباعه وصفاته الظاهرة على
سطح سلوكياته وتصرفاته وجميع أقواله وأفعاله وردّات فعله ، وتعصف بها جميعها بسائر
أصولها وفروعها ، آفة التبدالات والتغييرات التي تلحقهه تأثيرات الكوارث الطبيعية وتداعياتها من انقلابات
جدرية على أنظمته الحياتية وسلوكياته المجتمعية ، الملآى بالذاتية والأنانية والفردانية
واللامبالاة وضعف الروابط الانسانية وانحسار العواطف التضامنية، وغيرها من الطبائع
الحيوانية العدوانية المغلفة بالزيف والبهرجة وتمثيل أدوار النقاء والطهرانية ، والتي
كانت تداعيات نواميس الكوارث الطبيعية – التي يزخر التاريخ بأمثلة كثيرة عن تدخلات
سلالات وعائلات الأوبئة التي كانت تهدد حياته الإنسان منذ الأزل ، بدءاً بالطوفان وسفينة
نوح- تستبدلها بالقيم الإنسانية المستشعرة للشهامة والرجولة والمساعدة والتضامن وحسن
التصرف ، والتي إذا قورنت بما فعله كورونا بالبشرية اليوم من تقييد للحريات الشخصية
والحد من السعي للرزق ، المتمثل في الحجر الصحي
، وعدم مغادرة البيوت ، والتباعد بين الناس لمسافات ، وحظر التجمعات الضخمة كالمناسبات
الاجتماعية والدينية والرياضية ، وتحريم المصافحة بالعناق والقبلات ، والإلتزام بارتداء
الكمامات ووضع القفاوات، وغلق الحدود ، وغير ذلك من الاجراءات الاحترازية التي نتكبد
بنوع من الحتمية والجبرية نتيجة اختياراتنا لها حتى لا من يتشر الوباء ، التي فرض علينا
طرح السؤال الملحاح : هل أصبحنا أكثر تهذيبا وأجمل صبرا وأقلّ تسرّعا و"رعونة"
وأكثر تحضرا وتمدنا ورقيا ولطافة في العيش، بعد شهرين من التجاوب والخضوع –كما باقي
شعوب الأرض- لطاغيان كورونا الغاشم ، وهيمنته الصارمة الموجهة لحياة الناس سلوكاتهم؟ وهل كان "كورونا" مكباحًا للجموح الاانساني
للإنسان وحب رياسته ولذته للتحكم ونزوة السطوة؟
الأمر المستبعد
جدا ، لكون التبدلات التي يعيشها الإنسان مع كورون خلال الأيام القليلة الماضية، ليست
نابعة من تطور سلوكي ، بقدر ما هي مجرد مجاراة وتحالات حربائية ناتجة عن احتواء في
لحظة ضعف وشرود بشري ، جعل الإنسان في صميم خوف ورهاب عارم ، سيزول حتما بزوال مصدر
الخوف ومسبباته التي سينتهي مع القضاء عليه ، ويعود الكثرون إلى تصرّفاتهم القديمة
، كما هو حال حليمة التى تعود كل مرة إلى عوائدها القديمة .
فماذا عسا أن يفعل
فيروس حقير مع شعب تعتقد فئة منه بأنه ابتلاء من الله ، وجند من جنوده ، أرسلها لتعذيب
خلقه وليس لتهذيبهم ، ورغم ذلك فإن الكثير منا ممن تعلموا الدرس من المعاناة سيعيدون
النظر في طريقة عيشهم مع أنفسهم وفي تعاملهم مع المحيطين بهم من أهلهم وأحبابهم وأصدقائهم
والجيران والمعارف ، والأغراب ، فالرقي والنجاح
لا يولدان إلا من رحم الأزمات والمعاناة ، كما قال الفيلسوف الفرنسي جيل دولوز G-Deleuze، أننا لا نفكر إلا ونحن في عنق الزجاجة،
فالتفكير يولد من رحم المعاناة والآلام، وفي زمن الاضطرابات والأزمات.
خلاصة القول ،
إن خلوة حجر صحي التي فرضها علينا وباء كورونا هي في حقيقة أمرها فرصة ثمينة للتأمل
في معاني الوجود وعلاقتنا بالحياة والموت وعلاقتنا ببعضنا ومستقبل البشرية .