لحظة كورونا تتيح
للجميع فرصة نادرة لمراجعة الأولويات
في هذه الظروف
الحرجة و القاسية التي تمر منها الغالبية العظمى من دول العالم وضمنها وطننا العزيز؛ أرى من
المفيد أن ننصت لنبض عقلنا الجماعي، ونستحضر حكمة شعبنا الرصينة ذات العمقالإنساني ،لنستفيد
من الخالصات الكبرى التي نستشفها من هذا الواقع المستجد دوليا وجهويا ووطنيا.
فعلى
الصعيد العالمي، نالحظ أن العالم - الذي اندفع بقوة شرسة منذ سنوات طويلة نحو التنازع على مواقع القوة
االقتصادية، ومناطق النفوذ، والتسابق المحموم على األسلحة، والصراع من أ جل الهيمنة على القرار
الدولي- أضحى اليوم - بشكل مفاجئ وغير مسبوق- مهزوما أمام اكتساح فيروس واحد )كوفيد19
.)هذا الفيروس الذي استطاع أن يهيمن على التفكير العالمي؛ وأن يشل الحركة االقتصادية
العالمية في رمشة عين، وأن يحبط كل األسلحة التي كانت مثار التسابق الشرس، ومرمى الأرصدة
المالية الكبرى. بحيث كانت الدول-على اختالف مستوياتها- تفقر شعوبها من أجل
تثبيت القوة،وتخزين
الترسانات المدمرة بكل أجيالها بدعوى " يجب أن نتسلح لنتجنب الحرب" ! !
حتى إن بعض تلك
األسلحة تموت مدد صالحياتها بفعل التخزين ،أو بفعل التجاوز الناجم عن التسابق على التجديد. و
تلك - لعمري- تجارة بائرة ؛ بل إنها أضحت تجارة خاسرة، وبئس المصير. إذ إن أكبر الدول و أعتاها
- وفي مقدمتها السبعة الكبار- انحنت اليوم منهزمة أمام سرعة اجتياح هذا الوباء و منكفئة
على ذاتها . أفال يدعونا هذا الوضع المستجد إلى تبنى تفكير مغاير، واستبدال نسق
تفكيرنا ومفاهيمه
المؤطرة ؟؟ بحيث يتوجه تفكيرنا الجماعي إلى ما هو إنساني بامتياز؟ وإلى تثبيت
القوة الجبارة
والواعدة للبحث العلمي اإلنساني ؟ وإلى خدمة ال مصلحة المرفوعة على أعمدة الإقتصاد الإنساني
-الذي يستحضر مصلحة اإلنسان أوال؛ عوض اقتصاد العولمة المتوحشة الذي عاتت به النيوليبرالية
بكل وحشيتها . فانهارت اليوم كل مسلماتها ويقينياتها كقصور الرمال أمام فيروس صغير لم
يكن شيئا مذكورا !! فيروس صغير فضح عجرفة الرأسمالية العالمية المتحكمة وأربك حساباتها
فلم تدر بأية أسلحة تواجهه !! بل إنه فضح السياسات الدولية التي أهملت البحث العلمي الطبي،
وأقصت من حسابها األمن الصحي لمواطني األرض، وأسقطت الهم البيئي من
حساباتها، وتنكرت
اللتزاماتها في هذا المجال، معتبرة أن الغلبة للقوة المالية وقوة الأسلحة فحسب !!!؟حتى إن
بعضها يتجرأ على فرض صفقات مشؤومة "كصفقة القرن في فلسطين".
إن الدرس األساس
- الذي يبدو لي اليوم بليغا - هو أن تعلي كل الضمائر الحية - في العالم- أصواتها وترفعها
بقوة من أجل إعادة بناء العالقات الدولية على أسس جديدة ومغايرة بعد زمنكورونا .
فما أحوجنا اليوم إلى إعالء األصوات من أجل غلبة العلم، وغلبة البحث العلمي ،وغلبة الحس الإنساني، وغلبة الحس البيئي، وغلبة التضامن الإنساني، وغلبة هم استتباب الأمن بمختلف أنواعه واالستقرار بمختلف أنماطه ؛ والحد من الحس العسكري المتغطرس - والمتربص.2 بمصير المناطق ال منة ليضيفها إلى مناطق اكتساحه البشع . وليوظف القوة من جديد لمزيد من قهرالشعوب المستضعفة- .
فما أحوجنا اليوم إلى إعالء األصوات من أجل غلبة العلم، وغلبة البحث العلمي ،وغلبة الحس الإنساني، وغلبة الحس البيئي، وغلبة التضامن الإنساني، وغلبة هم استتباب الأمن بمختلف أنواعه واالستقرار بمختلف أنماطه ؛ والحد من الحس العسكري المتغطرس - والمتربص.2 بمصير المناطق ال منة ليضيفها إلى مناطق اكتساحه البشع . وليوظف القوة من جديد لمزيد من قهرالشعوب المستضعفة- .
إن اللحظة التي
يمر منها العالم – اليوم- تقدم لإلنسانية جمعاء فرصة نادرة من أجل النضالالجماعي لمواجهة
الشره االقتصادي المتوحش، والدفع باتجاه تقليص ميزانيات التسابق على التسلح وتوظيفها في الخدمات
االجتماعية بامتياز . وفي مقدمتها الصحة العمومية الجيدة والتعليم العمومي الجيد. والترا
فع الجماعي من أجل التخلص من فوائد وضغوط الديون المتراكمة على الدول المستضعفة التي
تهدد هذه الديون استقاللها.
أما
على مستوى المحيط العربي واالفريقي والمغاربي ، فإن هذا الوضع المؤسف ال يستثني أية جهة في العالم.
وبالتالي ال يخرج عن هذا السياق ما يجري في هذا المحيط الذي أصبح - أكثر فأكثر- مختبرا متعدد المساحات
لتجريب األسلحة ،وزرع أسباب الفتن والحروب والدمار الشامل، وتمرير المخططات المشؤومة
. واستنبات كل أسباب التفقير والتهميش لضمان المزيد من تجذر التبعية، والمزيد من الارتباطات
المختلفة ضدا على مصالح الشعوب ومستقبل أجيالها القادمة .
إن هذا الوضع المأساوي
الذي تعيشه وستعيشه - حتما- شعوب هذا المحيط يدعو نخبها النزيهة و مناضالتها و مناضليها
الشرفاء من كل الحساسيات والمشارب إلى التكتل والتكاثف من أجل مناهضة عوامل وآليات ومظاهر
العولمة المتوحشة التي تزرعها األ مبريالة العالمية المتجددة . وبالتالي فإن الحاجة ماسة -اليوم
-إلى التفكير في آليات الدفاع الشعبي والمتضامن عن مصالح الشعوب، وإعادة إذكاء جذوة التحرر
من كبول االستعباد المختلفة وقيوده . إلعادة بناء عالقات دولية جديدة ومغايرة تخدم مصلحة الشعوب
والبيئة واألجيال القادمة . ولن يعدم مناضلو ومناضالت هذا التوجه حلفاء أقوياء من كل بقاع
العالم وخاصة في أمريكا الالتينية وآسيا.
ويهمني هنا أن
أخص الفضاء المغاربي بتجديد نداءاتي ،التي التقت مع مبادرات ونداءات العديد من الهيئات والمنتديات
والتكتالت والشخصيات من أجل اغتنام الفرص التي تتاح قصد بناء الفضاء المغاربي المتكامل
والمتعاون والمتضامن لما فيه مصلحة الشعوب ومستقبل أجيالها ؛ وطي صفحة الخالفات والنزاعات
المفتعلة . وألن الشعوب الذكية تنهض من مآسيها، وتتكئ –عادة- على جراحها لتزرع األفق الرحب
والواعد لنفسها ومحيطها ، فإن شعوبنا المغاربية يلزم أ ن تستعد جيدا وبشكل جماعي لمواجه ة
آثار جائحة كورونا . تلك الثار التي ستكون عاتية ومدمرة ألسباب العيش الكريم
ودعامات االستقالل
القطري، إذا لم تتظافر الجهود وتتكتل على كافة االصعدة الرسمية وغير الرسمية.
وهنا تكمن مسؤولية
النخب المغاربية الواعية والمناضلة ؛ ومسؤولية الأحزاب التقدمية والديمقراطية ومسؤولية هيئات
المجتمع المدني -الملتزمة بمصالح شعوبها - في أن تبدع صيغ التعاون والتنسيق والتحرك الفاعل
والفعال من أ جل إعادة بناء الفضاء المغاربي المشترك والواعد على قاعدة المواطنة وتثمين التعدد
الجهوي واللساني والديني والعرقي ؛ذلك التعدد الذي ينمي الغنى ويخدم المستقبل.
أما
على صعيد وطني العزيز فإن مواجهة هذا الوباء باإلجراءات الاستباقية المشكورة ، والتعبئة الوطنية التي نريدها
قوية و متصاعدة، ودخولنا مرحلة ثانية من الحجر الصحي، تتزامن كلها مع إطاللة شهر رمضان
الكريم . وهي فرصة لندعو مواطناتنا ومواطنينا من مختلف الشرائح الميسورة
3 أن تتحمل مسؤولياتها
وتضاعف مبادرات التعاطف والتراحم و التوادد والتضامن االجتماعي مع الفئات الفقيرة
والهشة -المظلومة أصال -والتي زادها هذا الوضع وسيزيدها فقرا وتهميشا وقهرا .
فإذا كانت الدولة
تقوم ببعض من واجبها نحو هذه الفئات، وهي مطالبة بمجهود أكبر وأقوى ؛فإن المواطنات والمواطنين
مطالبون بشحذ حسهم االجتماعي ،وااللتفات إلى جيرانهم وأ قربائهم ومحيطهم بمبادرات فعالة
ومستدامة ومواكبة ألحوال الناس. إذ في مثل هذه األزمات تظهر المعادن الأصيلة للشعوب؛ ومن مآسيها
ومحنها تنبع الإبداعات الاجتماعية الجميلة التي سيذكرها التاريخ بمداد الفخر والاعتزاز. والشعب
المغربي والشعوب المغاربية كلها مؤهلة أن تقدم الدروس البليغة والنماذج المشرقة للآخرين
؛ تماما كما سجلنا في العديد من محطات التاريخ .
ومن الأكيد أن
قيام المواطنات والمواطنين بواجباتهم الاجتماعية والتضامنية التي يحجب مسؤوليات الدولة، والتي يعفيها
من تحمل مسؤولياتها في تدبير الوضع بإجراءات عملية تستثمر فيها بذكاء اجتماعي جو التعبئة
الوطنية وتستجيب للنداءات الوطنية المتعددة التي أثمن عاليا دعواتها الانفراج سياسي حقيقي ،والتحضير
لتعاقد وطني جديد واعد . وفي سياق الإجراءات المرجوة نتطلع إلى أن تستثمر الحكومة
ما ستوفره إعادة النظر في بنية قانون المالية، لتتسنى إعادة توظيف (المداخيل المتوفرة من الترشيد
العقالني ،ومن إلغاء الميزانيات المضافة هذه السنة للتسلح اومن الاستغناء عن ميزانيات الكماليات
غير الضرورية للسير العادي لإلدارة ومداخيل المجهود الوطني التضامني) إعادة توظيف كل
ذلك للدعم االجتماعي الضروري والعادل ؛ ولتقوية مجال الصحة العمومية التي لم يجد الوطن بأكمله
موئال ومالذا غيرها اليوم . وتعزيز ميزانية تعميم التعليم العمومي الجيد . وهما المجاالن اللذان
اظهرت هذه األزمة المستجدة حاجة األوطان إلى االستثمار فيهما بقوة وبنفس مستمر
وبعيد المدى .وبما أن وطننا
أطلق ورش التفكير في نموذج تنموي بديل ،فإن هذه الجائحة قلبت كل المعادالت . وفرضت على العالم
كله إعادة النظر في أولوياته وأحرى نحن . ولهذا، البد من تحضير نموذج تنموي
بديل يستهدف استرجاع
الثقة بين الدولة و المجتمع. وتوجيه المشاريع المستقبلية إلى خدمة االنسان أوال. وإطالق الحريات
،والوفاء لما تشبث به شبابنا من الحرية والكرامة والعدالتين االجتماعية والمجالية .
وإنني موقن بأن
وطني العزيز مستطيع المحالة أ ن يتجاوز هذا الظرف ،ويخرج منه أقوى تماسكا، وأصلب عودا. إذا
ما تالقت اإل رادات الوطنية الحقة السترجاع الثقة لبناء الوطن المحتضن لكافة أبنائه وبناته.
محمد بنسعيد أيت
إيدر
الدار البيضاء في 22 أبريل2020