من التداعيات الخطيرة
التي فرضتها ظروف كورونا على الغالبية العظمى من الناس في الفترة الأخيرة ، تراجيديا
ما يصلهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي من أخبار الوباء المقلقة ، التي تصنع من الحدث
الواحد ألف مصيبة خبيثة مزعجة ، نصفها كاذبة أو زائفة ، والبقية سطحية تحمل في طياتها
جزء من الحقيقة ، والجزء الثاني موزعة بين القديم والهزيل والخرافي والمتناقض والمتخلف
وغيرها من المحرف الذي لا نهاية لشؤم مسلسله الذي لا يمنح الإحساس بالطمأنينة والرضا،
ولا يساعد على بناء القدرة على الصمود ومواجهة الشدائد والاستمرارية في الحياة العامة
بشكل طبيعي ، والذي لا يشكل خطرا على جسد الإنسان فقط ، ويتعداه إلى العصف بالمناعة
"السيكولوجية" للمرء النفسية والعقلية ، واقحام مزاجيته في ظلام كالح منكرٍ لإشراقة أي شمس من جديد ، وكأن هاولاء المضللين
المهولين ناشري الأخبار السيئة ، الذين ينسجون بأقلامهم خيوط الحوادث الخبيثة ويغزلون
من خلال حواسبهم تفاصيلها المزعجة ، يكرهون تبادل الأخبار الجيدة الباسمة والمفرحة
التي تغشى العالم من حولهم ، ولا يحبذون إلا أخبار الهلع المجنون ، ولا يعشقون إلا
صراخ الضحايا والمحاصرين والمشردين ، ولا يحبون غير رؤية صور مصابي الكوارث ومكلوميها
، ولا يتسلون إلا بسويق بؤس مشاهدها المؤلمة ونشر تفاصيل رواياتها الكارثية التي يفرضونها
على غيرهم بالقوة وبدون هوادة عبر الأنترنيت ..
لقد آن للخرافات
الطوطمية أن تموت بعد سقوط مباخر المشعوذين ، وإنهارهم في أول معركة لهم أمام كورونا
الذي انتشر بيننا لينقدنا من خزعبلات خرافاتهم الأساطورية، وتخلفهم الفكر الغيبي ،
المجانب لحقيقة أن درء الخطر ليس في الدجل والخرافة والروايات الأسطورية والدعوات القرووسطية
، وإنما في العلمانية وحدها ، التي ما أظن أن عاقلا ينفي جدواها ومنفعتها للناس .
فإذا أردنا ربح
رهان هذه التجربة المريرة ، علينا أن نبعد عن عبث الجدال الفارغ المضيع للوقت والفرص
، ونعلنها ثورة ثقافية وفكرية علمية في وجه المضللين والمهولين ناشري الأخبار السيئة
، حماية لأنفسنا وبلادنا من أخطار هذا الفيروس.