بقلم عبد الحي
الرايس
ولكنْ ينبغي أن
نُوقِفَ الزَّلَل، ونَكُف عن تَكْرَار الخطإ، ونسْتخلصَ من التجاربِ القاسيةِ الدروسَ
والْعِبَر.
الكوارثُ تتلاحق، و"جائحة كورونا" لسنة
2020 ليست الأولى، ولن تكون الأخيرة، فقبْلها في التاريخ القديم والمعاصر جوائحُ لا
تكاد الإنسانية تخلُص من إحداها حتى تُفاجأ بغيرها بفواصلَ وآمادٍ كانت متباعدة في
الماضي، وصارتْ مُتقاربة في الحاضر.
مَدعُوُّون إذن
إلى الاستفادةِ من الماضي، والتحسُّبِ للآتي، انطلاقاً من تَمَلِّي الْوَاقِع الحالي
:
فيما مضى كانت
مقولة "كلنا في الْهَمِّ شرقُ" تُؤْنِسُنا وتُلْهينا، حلَّتْ محلَّها ـ مع
شُمولية "كورونا" واكتساحها لمختلف بقاع العالم ـ " كُلُّنا في الْهَمِّ
إنسانُ"، ثم أمْلتْ ضرورةُ الاحتراز، والحدِّ من سُرعة انتشار الوباء تطويقَ البلاد،
بل المدينة ، والحي، إلى حَدِّ الإلزام بالاِنْجِحَار.
فيما مضى كان الْمُوسِرُون
والنافذون يلْهثون وراء الثراء، ويُودِعُونَ أرصدتَهم خارج الوطن، فإذا أصابتهم نوبة،
أو حاقت بالبلاد أزمة فرُّوا منها، والتمسُوا في غيرها الملاذ.
أيقن الجميع الآن
ألا مَفَرَّ من الوطن إلا إليْه، وصارت الحكمةُ، وخشيةُ سُوءِ الْمُنْقلَب تُمْلِي
مَسْحَ الطاولة، وإعادةَ ترتيب الأوراق، بتبصُّرٍ ونُزوعٍ إلى تكافؤ الفرص.
وفي البلد الواحد
ألاَّ مُخلِّصَ ولا مُنقذَ إلا علومٌ مُتقدمة، وتقنيةٌ عالية، وتجهيزاتٌ متوفرة، وعقولٌ
ناضجة، ومُجتمعٌ متكافلٌ يَعُمُّهُ العدلُ والإنصاف.
ولنْ يَضْمنَ ذلك
غيرُ :
ـ تعليمٍ رَاقٍ
يُفجِّرُ الطاقات، يُكافِئُ الفرص، ويتعهد النبوغ، يحث على التميُّز، ويُفضِي إلى تحقيق
الذات، واستثمار القابليات.
ـ وبَحْثٍ علمي
يحظى بكامل الدعم، فيوظف الكفاءات، ويُعدِّدُ الكشوفات التي ترقى بالبلاد في مدارج
النماء.
ـ وتجهيزٍ صحي،
وتأطيرٍ طبي يبعثُ الطمانينة، ويُؤَمِّنُ العلاجَ ، وسُرعةَ الإنجاد، للقاصي والداني
على السواء.
ـ وعدالةٍ اجتماعيةٍ
تُحْصِي المواطنين، ولا تستثني أحداً من التعليم، والتطبيب، والتشغيل، تُؤَمِّنُ للْعاطلِ
حداً أدنى من الأجْر يَحفظ له الكرامة، ويَقِيهِ طائلة الْجُوع والْمهَانة.
ـ وتوظيفٍ للإعلام
في استثارة الذكاء، ونشر الوعي، وترسيخ القيم، وإرهاف الذوق، والسموِّ بالوجدان.
ـ وترْشيدٍ للموارد،
يَضْمنُ الاستفادة من كلِّ عائد، فلا رِيعَ ولا هَدْرَ للثرواتِ والمكاسب.
ـ واعْتدادٍ بالْهُوية
والمُواطنة، فلا اسْتلابَ ولا انْبهارَ ولا تبعية، وإنما استقلالية وبناء وتقوية.
ـ وقبل هذا وذاك
تقاسم حِسٍّ وطني عالٍ بين الحاكم والمحكوم، يُفْرِزُ نُخَباً هَمُّها الأول بناءُ
الوطن، وتأهيلُ المواطن، في إطارٍ من التفاني ونُكْرانِ الذات، وفي جَوٍّ من المسؤولية
المقرونةِ والمشفوعةِ بالمحاسبة.
بمثل هذا تُحَصَّنُ
البلاد، يَزدهرُ الاقتصاد، تَسْلمُ البيئة، تتعززُ الثقة، يتماسكُ المجتمع، ويَعُمُّ الْخَيْرُ والنماء.