بقلم الأستاذة
غزلان الرحموني محامية بهيئة الرباط
اجتاح العالم نهاية العام الماضي فيروس كورونا المستجد
"كوفيد 19" هذا الوباء الخطير الذي ألحق خسائر مادية وبشرية كبيرة بمختلف
انحاء العالم، ولقد كانت البؤرة الأولى لظهور هذا الفيروس" كوفيد 19" دولة
الصين وبالضبط مدينة ووهان لينتشر بعد ذلك في كل ربوع المعمور، والمغرب بدوره عرف أولى
الحالات المصابة بفيروس كورونا شهر مارس من السنة الجارية. وبمجرد ظهور الحالات الأولى
لهذا الوباء ببلادنا سارعت السلطات المختصة الي القيام بمجموعة من التدابير الاحترازية
اللازمة لحماية المواطنين و المواطنات من هذا الوباء وذلك بدءا بتعليق الدراسة تفاديا
لانتشار العدوى وفرض الحجر الصحي بالمنازل ،تم تلتها بعد ذلك اجراءات غلق المقاهي والقاعات
الرياضية والمطاعم والمساجد وتأجيل كل التظاهرات الرياضية والندوات والمباريات الي
اجل غير مسمى، كما تم تعليق الجلسات بالمحاكم باستثناء الجلسات ذات الطابع الاستعجالي
والتلبسي، ومن بين التدابير الاحترازية التي تم اتخاذها كذلك إغلاق الحدود البرية والبحرية والجوية. ونظرا
للخطورة الكبيرة التي يشكلها فيروس كورونا المستجد كوفيد 19 أعلن المغرب حالة الطوارئ
الصحية وذلك بموجب مرسوم 220.292 المتعلق بسن
احكام وإجراءات حالة الطوارئ الذي تم نشره بالجريدة الرسمية بتاريخ 24/03/2020. وقد يرى البعض ان إعلان حالة الطوارئ
الصحية المعلن عنها بموجب المرسوم المشار اليه سابقا من شأنها التقييد من حقوق وحريات
المواطنين باعتبارها تتنافى مع المبادئ والحقوق المنصوص عليها في الدستور المغربي كأسمى
قانون بالبلاد وتتنافى كذلك مع المواثيق الدولية
كالحق في الحرية والحق في التنقل والتجوال خاصة وان حالة الطوارئ الصحية المعلن
عنها تقترن تقيد حركة المواطنين عبر اشتراط استصدار وثيقة رسمية من طرف رجال واعوان
السلطة وفق حالات محددة، وذلك بهدف احتواء وباء فيروس كرونا. وردا على هذا الطرح فإن
حالة الطوارئ الصحية هي حالة استثنائية تهدف إلى حماية الصحة العامة والحفاظ على سلامة
المواطنين كما هي منصوص عليها في الفصل 21 من الدستور المغربي.
عموما عند قراءتنا
التحليلي للمرسوم المعلن لحالة الطوارئ الصحية يتضح لنا انه تضمن مجموعة من التدابير
والإجراءات القانونية التي رتبت اثارا قانونية يمكن الإشارة إلى بعضها على الشكل التالي
:
اولا :الجانب الزجري
لحالة الطوارئ الصحية
تضمن المرسوم مقتضيات
زجرية وردعية لكل من خالف أوامر السلطة العامة ورفض الامتثال لها وذلك بعقوبة حبسية
تتراوح ما بين شهر وثلاثة اشهر وغرامة مالية تتراوح بين 300 درهم و1300 درهم، دون الإخلال
بالعقوبة الاشد المنصوص عليها في النص العام المتعلق بالقانون الجنائي في الفصول من
300 إلى 302، ولا تفوتنا الفرصة ههنا الإشارة كذلك إلى الأفعال الاجرامية المرتكبة
خلال فترة الوباء كالسرقات مثلا حيث يتم تكييفها بوصف الظرف المشدد كما هو منصوص عليه
في الفصل 510 من القانون الجنائي.
ثانيا: توقيف سريان
مفعول الآجال القانونية
أشار المرسوم في
مادته السادسة إلى توقيف سريان كل الآجال
المنصوص عليها في النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل، ويتعلق الأمر هنا
بكل الآجال المرتبطة بالطعون سواء منها الإدارية او القضائية وكل الآجال المرتبطة بالتبليغ،
وكما هو معلوم فإن الآجال تعتبر من النظام العام ولا يمكن وقف احتساب سريانها إلا بمقتضى
قانون ينص على توقف احتسابها والمرسوم المعلن لحالة الطوارئ الصحية يعتبر قانونا موقفا
لسريان مفعول كل الآجال القانونية.
ثالثا: مبدأ القوة
الملزمة للعقد ونظرية الظروف الطارئة.
لقد ترتب على حالة
الطوارئ الصحية والتدابير الاحترازية المتخذة للحد من انتشار وباء فيروس كورونا بالمغرب
تعليق مجموعة من الأنشطة الاقتصادية والتجارية إضافة إلى الإخلال بتنفيذ مجموعة من
الالتزامات من طرف بعض المدنيين وكمثال على ذلك العقود المرتبطة
بالتوريد ونقل البضائع والقيام بالخدمات وغيرها من التصرفات القانونية، وهنا
يثار التساؤل عن مبدأ القوة الملزمة للعقد والقداسة التي يتمتع بها في ظل المادة 230 من قانون الالتزامات والعقود المغربي
حيث ان الظرفية التي يمر منها العالم والمغرب بدوره جزء من هذه المنظومة لايستطيع المدين
خلالها ان يقوم بتنفيذ التزاماته التعاقدية فهو يصبح مضطرا ومكرها على ذلك وليس حرا،
وبذلك تصبح القوة الملزمة للعقد متنافية مع مبادئ العدالة خاصة بالنسبة للعقود المستمرة
في الزمن التي تتغير وتتأثر بالظروف نظرا لوجود فاصل زمني مابين تاريخ انعقاد العقد
وتاريخ تنفيذه، من هنا يتضح لنا أهمية إعمال نظرية الظروف الطارئة في ظل جائحة فيروس
كورونا المستجد "كوفيد 19" رغم عدم تنصيص المشرع المغربي عليها بشكل صريح
كما هو الشأن بالنسبة لبعض التشريعات المقارنة، وإن كانت هناك بعض التطبيقات لهذه النظرية
في نصوص متفرقة كما هو الشأن مثلا بالنسبة "نظرة الميسرة" التي خول بموجبها
القانون للقاضي إمكانية منحها للمدين الذي استحال عليه تنفيذ التزامه، او كما هو الشأن
بالنسبة لمدونة الأسرة 2004 فيما يتعلق بالنفقة، وكذلك تضمنها قانون
حماية المستهلك 31.08 في إحدى مقتضياته، أمام هذه النصوص المتفرقة التي تحيل على نظرية
الظروف الطارئة وان كانت لا تنص عليها بشكل صريح فإن الأمر أصبح يحتم على المشرع المغربي
التنصيص والعمل بهذه بالنظرية خاصة عندما تتوفر
شروطها كما هو الحال في ظل أزمة وباء كورونا المستجد "كوفيد 19" حيث يتعذر
على العديد من المدينين تنفيذ التزاماتهم التعاقدية وذلك لظروف خارج عن الارادة.
رابعا: استغلال
جائحة كورونا ونشر الاخبار الزائفة.
لا يخفى على احد
منا التزايد الذي أصبحت تعرفه الجرائم المعلوماتية والخطورة التي تشكلها على أفراد
المجتمع، ولقد أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي من بين الوسائل المستغلة من طرف بعض ممتهني
نشر البلاغات الكاذبة والتضليل والاستهتار بمجهودات السلطات والتدابير الاحترازية التي
تقوم بها من أجل الحد من مخاطر وباء كورونا، حيث أصبحنا يوميا نسمع عن اعتقالات عديدة
في صفوف كل من سولت له نفسه استغلال هذه المواقع التواصلية من أجل زرع الرعب في صفوف
المواطنين، بهذا الخصوص فإن النيابات العامة ومديريات الأمن الوطني تعمل على التصدي
لهذا النوع من الأفعال الاجرامية وذلك بزجر مرتكبيها بالمقتضيات المنصوص عليها في القانون
الجنائي في الفصول 308' 1-447' 2-447' 260' وذلك اعتبارا ان هذه السلوكيات الاجرامية
المرتبطة باستغلال جائحة كورونا تعتبر مسا بالنظام العام وبسلامة المواطنين، ولقد صادق
بهذه المناسبة المجلس الحكومي على مشروع القانون 22.20 المتعلق باستعمال شبكات التواصل
الاجتماعي وشبكات البت المفتوح والشبكات المماثلة الذي يتضمن مجموعة من المقتضيات الزجرية
للحد من هذه الأفعال الاجرامية المعلوماتية الخطيرة.