adsense

/www.alqalamlhor.com

2020/03/28 - 3:17 م

بقلم الأستاذ حميد طولست
أعتقد شخصيا أن ما يعيشه العالم من ظروف استثنائية صعبة وحرجة مع وباء “كورونا” ، الذي لا حد لمعاناة البشر مع دماره الذي لا تتوقف رزاياه ولا تعد ضحاياه ، و تعذرت معه إقامة الجنائز والافراح والحفلات ودارسة الأبناء وصلاة المساجد ، ومنعت المصافحة والتقبيل والاحضان وصلة الرحم والزيارات العائلية، وفرضت تقاليد وسلوكيات غريبة دخيلة على ثقافتنا المجتمعية ، أسفرت عن عن تشابك مجتمعي عالمي لا حدود له ينم عن مرحلة مفصلية بين نهاية زمن وبداية آخر ، ستفضي إلى ظهور أولويات جديدة وتغييرات مجتمعية عميقة ، ستؤدي إلى إعادة تشكيل ثوابت مجتمعية جديدة مؤسسة على  "القوة" القادرة على احتواء الأزمة ، بدل الإيمان الكنسي، الذي كان متحكما في أوروبا قبل أن يضربها الطاعونُ الكبير في القرن الرابع في عشر الذي أودى بثلث سكانها وأدّى إلى تغييرات جوهريّة -كما هو حال كل الأوبئة الكبير- في مكانة السلطتين الرئسيتين ، الكنيسة والسياسية ، في أممها السياسيّة التي ودفع بأنظمتها التي ثبت عجزها عن إنقاذ أرواح مواطنيها خلال أوماتها، إلى مراجعات جذريّة ، ساهمت في نشوء ثقافة وقيم مجتمعية مستحدثة ، كانت من نتائجتها المباشرة  ولادة نواة الدولة الحديثة المتبنية لروح القوة الفعّالة في حماية أرواح مواطنيها ..
ولاشك أن نفس الأمر سيحصل بالنسبة لغالبية البلاد العربية والإسلامية ، التي ستشهد مجتمعاتها ،بعد أنتهاء كابوس كىونا -وكأن التاريخ يعيد نفسه -هبات تغيير بنوية عميقة وشاملة ، ستمس خطورتها على وجه الخصوص شيوخ وفقهاء تيارات التطرف المتأسلم ، الذين فضح وباء الذي ثبت فشلهم الدريع في مساعدة الناس لتجاوز محنهم مع مصابهم كورونا ، الذي تعاملوا معه بإنتهازيتهم الأنانية واللانسانية المستغلة لمآسي البسطاء وضنك عيشهم  من أجل تأميم إيمانهم ومصادرة أوطانهم ، لفرض حضورهم البائس في الوجود العام ، كغاية قصوى لم يردعهم لا دين ولا أخلاق ولا مروءة ولا عقل على الوصول إليها، ضدا في كل ما يقتضيه واجب المواطنة ومنطق الوطنية وتعاليم الدين والمسؤولية المجتمعية في مثل هذه الظروف الحرجة، من المساهمة في تاطير الناس وتوعيتهم بما يحذق بهم من شرور الوباء ، السلوك الذي دأب عليه المتشبعون بالوطنية الحقة-افرادا وجماعات منظمات ومؤسسات وأثبت بما لا يدع مجالا للشك ، أنهم نجوم الدولة ولآلئها الأنّفع للناس في الأزمات من الشيوخ والفقهاء  والدعاة والرقاة ، الذين برهنت أيديولوجياتهم المتخلفة عن فشلها في انقاد الناس من الأوبئة والجوائح التي حصدت آلاف الأرواح ، الفشل الذي لاشك أنه سيقوض آليّات مرتكزات طروحاتهم ، ويتسبب في اختلال علاقاتهم بالناجين ، الذين لاشك سينتقمون لأنفسهم منهم -حالما تنزاحُ عنهم الغمة - باستبدال استبداديّة توجهاتهم الظلامية ، بسلطة أكثر فاعليّة ، تقومُ على  القيميّات التعاطفية التي أظهرها تجاههم وكل الذين جعلوا صحة المواطن أولى أولوياتهم من الأطباء والممرضين والمسعفين والعلماء والباحثين والمعلمين والأساتذة والقياد ورجال سلطة والجنود ، وكل الأطر والكفاءات العليا التي تزخر بها بلادنا في مختلف المجالات، وتبذل ما وسعها من المجهودات الجبارة والتضحيات الجسام ليسلم المواطن من الأخطار المحدقة ، وتستميت في إعادة الثقة والإطمئنان لنفسه ، ليعيش حياته في رغد وهناء ، بعيدا عن تصورات وسلوكات الجهلاء وممارساتهم اللاعقلانية التي جعل منها المتخلفون شرعا ومنطقا مقدسا -يخرب الأوطان كما يؤكد ذلك التاريخ – يضاعف أوجاع الناس ويزيد من هشاشة وضعهم الفكري والصحي في عز محنة الوطن والإنسانية.
وأمام هذا الوضع العالمي الجديد الذي لم نعهده من قبل والذي أيقظ الناس من حالة التخدير ، وأزال عنهم غبار الجهل والجهالة الذي راكمه فوق عقولهم وضمائرهم شيوخ التخلف ، وجعلهم يدركون أن العلم نور وأن مروجي التفاهة ليسوا إلا نجوم من ورق ، لا يسعني إلا أن أأكد أنه لا طاعة لرجل دين لا يعتبر صحة المواطنين أولى أولوياته ويبذل الجهود والتضحيات ليسلم جسمه من الأوبئة وعقله من الجهل.