adsense

/www.alqalamlhor.com

2019/11/18 - 9:17 م


بقلم الاستاذ حميد طولست
تعج حياة البشر بالمنغصات والصدمات والمواقف السيئة والمؤلمة ، والتي يعد جحود المعروف ونكران الجميل من أخطر وأبرز ظواهرها المرضية التي تغلب على حال جل المجتمعات العربية والإسلامية ، والتي لا تأتي مع الأسف ، من الأغراب فقط ، بل وفي الغالب ممن نقربهم منا ، ونفتح لهم قلوبنا ، ونمكنهم من حبنا وعطفنا ، ونمنحهم ثقتنا ، ونمد لهم أيدينا ، ونمكنهم من عطايانا  ، من المعارف الأصدقاء والإخوة والأخوات وحتى من والأبناء والآباء ،  ما جعل الناس لا تندهش من كثرة قصص جاحدي المعروف من حولنا ، و لاتستغرب من تعدد أمثلة ناكري الجميل بيننا دون سبب معقول ، ولا تتعجب من زمانها كيف أضحى الحجود والنكران من أبرز سمات ناسه الإعتيادية ، وأوضح طبائع أهله المألوفة وسلوكياتهم العادية ، التي ينامون ملأ جفونهم على  بشاعة فعلها المعيب في العرف والأخلاق العامة ، دون إحساس بتأنيب أو وخز أو تنغيص من ضمير ، أو ارعِواءٍ أو ارتداع بروادع  ما تزخر به المحفوظات الدينية والمجتمعية من أخلاقيات الاعتراف بالجميل ، السلوك الطبيعي في الإنسان وعنوان إنسانيته ، ومن أرقى المثل العليا الصالحة لكل زمان ومكان، والذي لخصه النبي صلى الله عليه وسلم في شكر الناس للناس ، والذي قرنه صلى الله عليه وسلم بشكر الله عز وجل ، في قوله: "من لا يشكر الناس لا يشكر الله" ..
مؤلم جدا ما نراه في عصرنا المر هذا المتسم بالأنانية والفرادة ، من تزايد كفر بعض المواطنين على مختلف فئاتهم العمرية والجنسية ، بالإنتماء للوطن ، وما نلاحظه من تضاؤل محبته ، وما نلمسه من تضخم ظاهرة العزوف عن المشاركة في تنميته ، والأكثر إيلاما ، العناد  والاصرار على الإساءة إليها ، بالشتم والتجريح والتنكيت ، والتقليل من منجزاتها ، واحتقار ناسها وازدراء رموزها  ، وإحرق أعلامها ، كما فعلت واحدة من منعدمي الحس الوطني ، المجردين من الثقافة الإجتماعية الوطنية السليمة القائمة على احترام القيم الأخلاقية والمثل الإنسانية التي تربط الأفراد والشعوب برموز أوطانهم ، والتي أقدمت - مدفوعة في ذلك بعنترية خاوية مقيتة ، وعنجهية بغيضة ، وكراهية عمياء ، وطائفية نكراء -على إحراق علم وطننا الذي نمت فيه ، وكبرت على خيراته ، ونعمت بظلاله ، الواقعة المدانة ، والسلوك الحقير ، الذي أحرق قلوب المغاربة ، فاستقبلوها باستياء عارم واستنكارية غاضبة ، ومعهم كل الحق يا وطني الغالي في ذلك، لأن نكران الجميل أشدّ وقعاً من السيف الغادر -كما قال شكسبير- وآثاره المؤلمة تبقى عالقة في الذهن والفؤاد ، حتى وإن تُجووِز بالدمع والشكوى، ومع ذلك لا تجزع يا وطني الحبيب ، فأنت غني عن شكر أمثال هؤلاء ، وتقديرهم لك، ومكافأتك على ما قدمت لهم ، وتأكد أن الله قادر على أن يرد لك الجميل، وكفيل بأن يعوضك بخير مما جاءك من أولئك الذين أنكروا جميلك ، ولا تهتم بمن رموك بالحجارة من أعلى القمم التي مكنتهم من الصعود إليها، فقد اعتادوا على جحود نعم خالقهم وزاقهم عز وجل ، الذين صدق فيهم تحذير علي رضي الله عنه في قوله : "احذروا من خمسة ، اللئيم إذا أكرمته، والكريم إذا أهنته، والعاقل إذا أحرجته، والأحمق إذا مازجته، والفاجر إذا مازحته "، وكفانا الله وإياك شر الجاحدين وناكري الجميل ، ودمت سالما يا وطني ودام علمك مجسدا للسيادة والإباء.