بقلم الاستاذ حميد
طولست
تعج حياة البشر
بالمنغصات والصدمات والمواقف السيئة والمؤلمة ، والتي يعد جحود المعروف ونكران الجميل
من أخطر وأبرز ظواهرها المرضية التي تغلب على حال جل المجتمعات العربية والإسلامية
، والتي لا تأتي مع الأسف ، من الأغراب فقط ، بل وفي الغالب ممن نقربهم منا ، ونفتح
لهم قلوبنا ، ونمكنهم من حبنا وعطفنا ، ونمنحهم ثقتنا ، ونمد لهم أيدينا ، ونمكنهم
من عطايانا ، من المعارف الأصدقاء والإخوة
والأخوات وحتى من والأبناء والآباء ، ما جعل
الناس لا تندهش من كثرة قصص جاحدي المعروف من حولنا ، و لاتستغرب من تعدد أمثلة ناكري
الجميل بيننا دون سبب معقول ، ولا تتعجب من زمانها كيف أضحى الحجود والنكران من أبرز
سمات ناسه الإعتيادية ، وأوضح طبائع أهله المألوفة وسلوكياتهم العادية ، التي ينامون
ملأ جفونهم على بشاعة فعلها المعيب في العرف
والأخلاق العامة ، دون إحساس بتأنيب أو وخز أو تنغيص من ضمير ، أو ارعِواءٍ أو ارتداع
بروادع ما تزخر به المحفوظات الدينية والمجتمعية
من أخلاقيات الاعتراف بالجميل ، السلوك الطبيعي في الإنسان وعنوان إنسانيته ، ومن أرقى
المثل العليا الصالحة لكل زمان ومكان، والذي لخصه النبي صلى الله عليه وسلم في شكر
الناس للناس ، والذي قرنه صلى الله عليه وسلم بشكر الله عز وجل ، في قوله: "من
لا يشكر الناس لا يشكر الله" ..
مؤلم جدا ما نراه
في عصرنا المر هذا المتسم بالأنانية والفرادة ، من تزايد كفر بعض المواطنين على مختلف
فئاتهم العمرية والجنسية ، بالإنتماء للوطن ، وما نلاحظه من تضاؤل محبته ، وما نلمسه
من تضخم ظاهرة العزوف عن المشاركة في تنميته ، والأكثر إيلاما ، العناد والاصرار على الإساءة إليها ، بالشتم والتجريح والتنكيت
، والتقليل من منجزاتها ، واحتقار ناسها وازدراء رموزها ، وإحرق أعلامها ، كما فعلت واحدة من منعدمي الحس
الوطني ، المجردين من الثقافة الإجتماعية الوطنية السليمة القائمة على احترام القيم
الأخلاقية والمثل الإنسانية التي تربط الأفراد والشعوب برموز أوطانهم ، والتي أقدمت
- مدفوعة في ذلك بعنترية خاوية مقيتة ، وعنجهية بغيضة ، وكراهية عمياء ، وطائفية نكراء
-على إحراق علم وطننا الذي نمت فيه ، وكبرت على خيراته ، ونعمت بظلاله ، الواقعة المدانة
، والسلوك الحقير ، الذي أحرق قلوب المغاربة ، فاستقبلوها باستياء عارم واستنكارية
غاضبة ، ومعهم كل الحق يا وطني الغالي في ذلك، لأن نكران الجميل أشدّ وقعاً من السيف
الغادر -كما قال شكسبير- وآثاره المؤلمة تبقى عالقة في الذهن والفؤاد ، حتى وإن تُجووِز
بالدمع والشكوى، ومع ذلك لا تجزع يا وطني الحبيب ، فأنت غني عن شكر أمثال هؤلاء ، وتقديرهم
لك، ومكافأتك على ما قدمت لهم ، وتأكد أن الله قادر على أن يرد لك الجميل، وكفيل بأن
يعوضك بخير مما جاءك من أولئك الذين أنكروا جميلك ، ولا تهتم بمن رموك بالحجارة من
أعلى القمم التي مكنتهم من الصعود إليها، فقد اعتادوا على جحود نعم خالقهم وزاقهم عز
وجل ، الذين صدق فيهم تحذير علي رضي الله عنه في قوله : "احذروا من خمسة ، اللئيم
إذا أكرمته، والكريم إذا أهنته، والعاقل إذا أحرجته، والأحمق إذا مازجته، والفاجر إذا
مازحته "، وكفانا الله وإياك شر الجاحدين وناكري الجميل ، ودمت سالما يا وطني
ودام علمك مجسدا للسيادة والإباء.