بقلم عبد الحي
الرايس
أبَتْ رئيسةُ دولة
إلا أن تتنكرَ يوماً في لباس مُتسولة، وتفترشَ الأرض لِتتواجَدَ مع فئةٍ هَشَّةٍ في
المجتمع، حتى تُحسَّ بآلامها، وتُقدرَ معاناتها، وتستلهم ذلك في تدبير شؤون بلدها.
وفي المأثور أن
كثيراً من وُلاةِ الأمور كانوا كثيراً ما يتنكرون، ويَجُوسُونَ خلال الديار يَستطْلعون
أحوالها، وظروفَ عيش الناس فيها، فيستلهمون من ذلك ما يرقى بالبلاد، ويُنصِفُ العباد.
والمسؤولُ إذا
فعل لن يطيبَ له عَيْش، ولن يهْنأ له بال، ولن يُغمَضَ له جَفْن، وواحدٌ من رعاياه
يشكو الخصاص، أو يبيت في العراء، أو يحمل ولده على كتفه يتجول به في الأسواق، يستجدي
العطاء، حارماً إياه من التعليم والتنشئة على الكرامة كباقي الأتراب.
شعارُ العصر تنميةٌ
مستدامة، ولن تُستدام تنمية ما دامت الفوارق صارخةً صادمة بين مترفين ينعمون بالرزق
الوفير، يَهُبُّ عليهم من عائدات الريع، وكادحين يضيق بهم العيش ويستبد بهم التقتير،
فلا يجدون ما يُؤَمِّن لذويهم المأوى والتطبيب والتعليم، وعاطلين تتقاذفهم الأمواج،
أو تستقطبهم الهجرة خارج الأوطان، ومادامت هناك ديار تتيسر لها كل أسباب الرفاه، وأخرى
مهددة بالانهيار والانجراف.
والْمُوسِرُ حين
يتخفَّفُ من أناه، ويَكُفُّ عن الانسياق مع الأطماع، وينْفطِرُ قلبُه لمرأى المحرومين
والبسطاء، يتخلى عن كثير من مظاهر المباهاة والاستعلاء، وينخرط في أعمال البر والإحسان.
ـ يحكون عن ثَرٍيّّ
في بعض البلاد اختار أن يبني 90 منزلا للفقراء بدلا من أن يُقيم عرساً لابنته يَبْهرُ
الْحُضَّار، وتَسِيرُ بذِكْره الرُّكْبان.
ـ ومما عَلِقَ
بالذاكرة أن مُتْرَفاً الْتمَسَ السعادة في كثير من مُتع الحياة، فلم يجدْ أمْتعَ من
لحظةٍ تَمَسّكَ فيها طفلٌ كَسِيحٌ برجلهِ حين هَمَّ بالمغادرة بعد أهداه كرسياً يُسْعفه
في التنقل والحركة، وحين سأله عن طلبه أجاب: أريدُ أن أتملّى وجهك حتى أتعرفَ عليك
في الجنة.
المسؤولون مراتب،
وخيرُ المسؤولين من اتَّسَم بنُكران الذات، وجند نفسه ووظف ذكاءه في الارتقاء ببلده
مَدارجَ النماء، وعدَّدَ فُرص مُضاعفة الدخْل القومي والفردي ليُحقق لوطنه الطَّفْرَة،
ولمواطنيهِ السعادة والبهْجَة.