بقلم الأستاذ حميد طولست
ذكرني موضوع الأبواب الذي نظمت حوله قبل أيام "جمعية
أبواب المشور فاس الجديد" يوما دراسيا ، تتبعت أطواره عن بعد لتواجدي أنذاك خارج
الوطن ، ذكرني بأول علاقة ربطتني ، كما باقي الأطفال ، بالأبواب - طقوس الأبواب وظائفها
التقليدية المقتصرة ، مند وجدت ، على حفظ الإنسان من الأخطار الخارجية -التي كانت تطالع
أعيننا هنا وهناك ، بمختلف أحجامها ومتنوع أشكالها وألوانها ، العلاقة المتمثلة في
"طرق الأبواب" النابع من الرغب العارمة في اجتياز ، والتي كان يغديها شغف
التطلع لمعرفة المجهول الكامن وراء عالمي الداخل والخارج ...ويؤجج قوة التمرّد على
أوامر الأهل ، و التورة على أسلوب والتعامل السلبي في المنع المستمر والغير المبربر،
الذي يعتمل بدواخل الأطفال ، ويصيب نفسيّتهم باضطرابات وضغوطات عميقة ، تحسسهم بالحرمان
من الحُرية والتحرر، الذي ينعكس سلبا على علاقتهم بتلك الأبواب ، ويقوي إصرارهم على
تكرار محاولة فتحها ، الذي يعرضهم ، و بشكل يومي، للعديد من المخاطر ، التي قد تصيبهم
بإصابات خطيرة وعديدة ، أبرزها ، إنغلاق الأبواب على أصابع أيديهم الطرية ، المؤدي
إلى مشاكل صحية تصل في بعض الأحيان إلى بتر الأصابع.
ومن العلاقات الطفولية الطريفة التي ربطتني ، وجيلي ، بالأبواب
، اللعبة الشعبية المسلية المرتكزة أساسا على "طرق أبواب منازل الجيران
" والذي كنا نقوم بها ، في الغالب ، ونحن في طريقنا إلى المدرسة وأثناء عودتنا
منها ، اللعبة التي رسمت الفرح على محيا الأطفال تلك الفرحة البريئة التي أتسمت بالبساطة
وزهت بالراءة وفاحت بعبق الماضي الجميل ، الذي لا يتذكره غير كبار السن الذين عاشوا
الزمن الذهبي ، الذي لا يعرفه "أطفال الأيباد" الذين أسهمت أجهزة الحواسب
الإلكترونية، بصورة تراكمية فى عزلهم عن واقعهم الحى مقابل حياة أخرى افتراضية بديلة،
فحينما أرى صور ما يتميز به حي فاس الجديد ، عن غيره من أحياء مدينة فاس من أبواب تاريخية
عتيقة ، يرجع بي الحنين الى أيام الطفولة ، حيث كنا نهوى لعبة "طرق الأبواب
" كتسلية وتنفيس غير مرتبطة بموسم أو مناسبة ، نملأ بها فراغات أوقاتنا في زمن
عزت في حينا الشعبي "فاس الجديد" مصادر إشاعة المرح والمتعة والبهجة والأمن
والأمان في نفوس الأطفال ، بعد أن غابت عنه كل مجالات لعب الأطفال ، وإنعدمت به وسائل
ترفيههم ، ولم يبقى في مواجهتهم ، إلا الأبواب الموصدة ، التي يتحدونها بهذه اللعبة
اللطيفة ، رغم ما فيها من إزعاج لساكنة المنازل المطروقة أبوابها .