بقلم ابراهيم فارح
في زمن طغيان ما
أصبح يسمى منصات التواصل الاجتماعي، لم يعد هناك أكثر أهمية من شغف متابعة ومراقبة
"المشاهير" من نوعية خاصة لا هم من العلماء ولا من المثقفين يتلعثمون وهم
يتحدثون إلى الميكرفونات وتعلو قسمات وجوههم الصدمة.
لا بد وأنك سمعت
ما يستحق أن يروى ويصير حديث الصالونات وجلسات القهوة، ليس إعجابا أو انبهارا بالمحتوى،
وإنما لأن سيرة هؤلاء "النجوم" تتقدم بمسافات بعيدة عن العلماء والأدباء
والسياسيين، ولهذا فلا تعجب إن كانوا الأكثر متابعة على الفضاءات المتاحة عبر الأنترنيت،
وأنهم يتقدمون على المثقفين والاعلاميين ولا يزاحمهم سوى نجوم الكرة والدين، ولهذا
فلن تجد أكثر الناس يعرف صحافيا محترما يصنع أفضل القصص والتحقيقات الصحفية، ويعرف
ذلك الذي يتتبع عورات الناس وينشر فضائح النجوم، ويجري استجوابات مع "نجوم
" الفضاء الأزرق.
هذا يقودنا إلى
السؤال، ماذا لو أصبحنا ذات يوم وقد انقطع وريد الأنترنيت وأصيب في مقتل؟ ماذا سيحل
بهؤلاء "النجوم المشاهير" الجواب طبعا سيموتون وينسى ذكرهم، وهذا يعني أن
شباكهم الوحيد أقفل ووسيلة إطلالتهم على العالم توقفت فطبعا سيتوقفون معها. وعلى هذا
الاعتبار فمسألة الشهرة على منصات التواصل الاجتماعي مرتبطة الى حد كبير بملايين المعجبين
على صفحات هؤلاء، وهو ما يستدعي التساؤل عن هذا الجمهور من المعجبين هل هو حقيقي أم
"وهم" يشترى لصنع نجوم في فضاء افتراضي؟.
وإذا أردنا أن
نطلق العنان لهذا الموضوع كي يقودنا فحتما سنكتشف الكثير من الدروب، وفي إحداها يطل
علينا التساؤل التالي: أليس من حق فضاءات التواصل الاجتماعي أن تصبح إعلاما محترفا،
أليست منتجة للمحتوى ومقدمة للمعلومات، وإذا كان كذلك هل يختار الاعلام المحترف الاصطفاف
في الجهة الأخرى، وإن كان قد تحرر من تشدده المهني، وصنع مقاربات تؤهله ليكون حاضرا
في السوشل ميديا، ولكن ما يجب أخذه بعين الاعتبار هو أن توجيه أصابع الاتهام وكيل الشتائم
لمنصات التواصل الاجتماعي التي احتلت وسيطرت على عقول الجمهور لن يحل العقدة ولن ينقذ
وسائل الاعلام.
لن أستمر في تتبع
سبل هذا الموضوع فهي متعددة ومتشابكة ولن تقودك إلى سبيل محدد ينتهي بك إلى هدفك المنشود،
ولكن أقول أن العيب كل العيب يقع على بعض الاعلاميين المضللين الذين لا يتورعون عن
الاهتمام بتافه الأمور وسفسافها، ويتجنبون الخوض في كل ما من شأنه أن يفيد البلاد والعباد،
وبذلك يساهمون عن وعي أو بدون وعي في مؤامرة تغييب ضمير الشعوب عن واقع الجد والاجتهاد
والمبادرة، ومحاولة مغالطتها وتمويهها بأن أقرب طريق للنجاح هو أن تكون مفلسا أخلاقا
وخلقا وحتى فكرا، وأن السبيل الوحيد للشهرة والمال هو الخروج عن القانون والعرف والعادة
والدين واستسهال المحافظة على القيم الأخلاقية.
واستحضر هنا صراخ
عادل إمام وسط الشارع في فيلم عمارة يعقوبيان "احنا في زمن المسخ".