تسربت وثيقة بعنوان "أرضية من أجل التغيير في الجزائر"،
تعود إلى الجمعة الماضي المصادف للمسيرة المليونية، ولم يتم الكشف عن هوية أصحابها،
تحدثت عن تبني جملة من المطالب المرفوعة من طرف الشارع منذ 22 فبراير الماضي، لتكون
منصة للانتقال السياسي في البلاد.
ويأتي على رأسها، تنحي الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قبل الـ27
أبريل المقبل (نهاية العهدة الرئاسية الحالية)، وإقالة الحكومة وحل البرلمان بغرفتيه،
والدخول في مرحلة انتقالية من أجل الانتقال إلى الجمهورية الثانية، وتشكيل مجلس رئاسي
جماعي يتكون من شخصيات وطنية محايدة ولا تملك طموحات سياسية.
وتقترح نفس الوثيقة تشكيل حكومة إنقاذ وطني، لتصريف الأعمال
تعينها الرئاسة الجماعية، وإطلاق نقاش وطني شامل لتعديل الدستور وتنظيم انتخابات رئاسية.
وبالموازاة مع ذلك، فشل رئيس الوزراء الجديد نورالدين بدوي،
ونائبه رمطان لعمامرة، في الوفاء بوعدهما حول الكشف عن تركيبة الحكومة الجديدة، بداية
هذا الأسبوع (الأحد)، حيث مازالت الأصداء تتضارب بشأن الأسماء المنتظرة، مقابل عقد
اجتماعات ضيقة لثلاثي المرحلة الانتقالية في مقر الرئاسة بضاحية زرالدة بالعاصمة.
وتحدثت عدة تسريبات عن رفض بعض الوجوه الانضمام إلى الطاقم
الحكومي الجديد، بسبب حساسية المرحلة والغضب الشعبي المتنامي في الشارع الجزائري، إذ
باتت الحقائب الوزارية محل رفض أو تحفظ لأول مرة في تاريخ البلاد، نتيجة الضغط المستمر
من طرف الحراك الشعبي.
ومازال الغموض يخيم على هرم السلطة بعد الهبّة المليونية
التي عاشتها البلاد الجمعة الماضي، حيث تضاربت القراءات حول الخطوات المنتظرة من طرف
السلطة، لإبداء تفاعل جديد مع الشارع، بغية امتصاص حدة الغضب أو تفكيك الحراك.
وفيما تتجه المطالب إلى المزيد من التشدد والراديكالية، يراهن
ثلاثي المرحلة الانتقالية (الإبراهيمي وبدوي ولعمامرة)، على ورقة الوقت والمناورة،
من أجل تجاوز المرحلة، وتكثيف النشاط الدبلوماسي لدى العواصم المؤثرة، لشرح وإقناع
الشركاء بخارطة الطريق المقترحة من طرف السلطة.
ويتجه نائب رئيس الوزراء غدا إلى موسكو، لملاقاة المسؤولين
الروس، فيما ينتظر أن يشد لخضر الإبراهيمي، الرحال إلى الصين، من أجل تقديم صورة مطمئنة
على الوضع الداخلي، وضمان دعم موسكو وبكين.
وذكر مصدر دبلوماسي، بأن زيارة رمطان لعمامرة لموسكو، تستهدف
"جبر خواطر الروس"، بعد الانزعاج الذي أبدوه تجاه تنسيق السلطات الجزائرية
مع نظيرتها الفرنسية والأميركية في باريس، قبل الإعلان عن خارطة الطريق السياسية.
وألمحت التغييرات التي أعقبت المسيرة المليونية في قيادة
الأمن الاستخباراتي، إلى استمرار التجاذب داخل أجنحة النظام، والى رسم توازنات جديدة
في الجهاز، بما يتماشى مع مستقبل السلطة الحاكمة في البلاد.
وأعلن، السبت، عن تنصيب الجنرال عبدالحميد بن دواد، خلفا
للجنرال يوسف بوزيت، في دائرة الأمن الخارجي التابعة لرئاسة الجمهورية، كما تداولت
دوائر أمنية، إبعاد الجنرال بشير طرطاق، من منصب منسق الأجهزة الأمنية (الاستخبارات)،
وتعويضه بالجنرال رشيد لعلالي (العطافي).
ويرى مراقبون للشأن الجزائري، بأن هذه التغييرات توحي إلى
توازنات جديدة داخل أركان السلطة، لأنها جاءت بعد لقاءات تكون قد جمعت خلال الأيام
الماضية، بين شقيق ومستشار رئيس الجمهورية سعيد بوتفليقة، وبين المدير السابق لجهاز
الاستخبارات المنحل الجنرال محمد مدين (توفيق).
وهو ما يوحي بإمكانية استعانة جناح الرئاسة بجهاز الاستخبارات
السابق، الأمر الذي يتنافى مع مواقف قائد أركان الجيش الجنرال قايد صالح، الذي كان
ذراع بوتفليقة في مرحلة ما قبل العام 2015، في عملية تفكيك وحل الجهاز، ما يشير إلى
نوع من الانقلاب الأبيض على الرجل، بعد رسائله الغزلية للحراك الشعبي، وتوفره على حد
أدنى من القبول الشعبي لقيادة المرحلة المقبلة.
وبالموازاة مع ذلك أجرى أمس، الدبلوماسي السابق لخضر الإبراهيمي،
لقاءات أولية مع بعض الأحزاب السياسية والناشطين، في فندق الأوراسي بالعاصمة، وضربت
سرية تامة على تلك اللقاءات حفاظا على المعنيين من الغضب الشعبي، رغم أن المشاورات
بين الطرفين لم تتعد حدود مرحلة جس النبض.
واستمرت الاحتجاجات الأحد، في عدد من المدن الجزائرية، حيث
خرج تلاميذ مدارس ثانوية للتعبير عن مواقفهم المساندة للحراك الشعبي، كما نفذ عمال
شركة سوناطراك النفطية المملوكة للقطاع العام، في حقل حاسي مسعود وحاسي الرمل بجنوب
البلاد، إضرابا عن العمل في قواعد النشاط والمناطق المحيطة بها، لتنضاف إلى سلسلة وقفات
نظمها متقاعدو المؤسسة العسكرية، رفعت نفس المطالب الداعية إلى رحيل السلطة.
صابر بليدي صحافي جزائري