بقلم الدكتور عبد الكبير بلاوشو أستاذ التعليم العالي
أَستسمِحُكم عُذراً أيها الناس
كَي أتمرَّد على "الرَّأي" بإسم "الرُّؤية
والإطار"، وأُعلِنها عِصياناً على موقف الصَّمت اتّجَاه اللّغط المقصود في القول
واللّغو في اللِّسان. إنها "أنفلوانزا اللَّهو الإيديولوجي" بالمصير الإنساني،
حيث نَفَقَتِ القلوب وانقلبَت موازين العقول وشُوهِد في ظُلمَة اللّيلِ ووَضَحِ النهار
ارتدَاء الأجساد لألبسة النفاق والتّعدُّد وسوء الأخلاق إنَّه القِناع الإجتماعي.
وأصبح بذالك فقهاء التَّملُّق والتَّسلُّق والتعلُّق بالأهداب
على حساب نُبْلِ الأهداف عنواناً بارزاً لهذا الزمان.
فالقصة درامية بإمتياز وتُحِيلك على فُكاهَة قَومٍ جعلوا
من الضَّحك على الأذقان ثقافة ومواقف وسلوك. نتذكّّر جيِّداً عندما أَتَيْنا
"مجلس عُمر الأعلى" كفضاء استراتيجي للتفكير كُنّا نُدرِك جازمين أن هندسة
الرؤية الوطنية للإصلاح سوف تصطدم بقضايا حارقة جعلتها الدولة عالقة منذ الإستقلال
فكان بذالك الجدال والخلاف الحادّ حول الحسم في صناعة الحلّ، فَبَرزَ على السطح ما
يُسمَّى بالتفكير الإفتراقي حول سؤال اللُّغة والمجَّانية.
لتجاوز الإشكال حاولنا أن نجعل للرؤية ثلاثة قيم: الإنصاف
في المدخلات/الولوج، والجودة في الأداء المنظوماتي، والإرتقاء في المخرجات بالأفراد
والمؤسسات. نجَمَ عن هذا التصور مجموعة من الرافعات والأركان الحاملة للبناء الهندسي،
وكُنَّا من السَّباقين في طرح المقاربة الشمولية للتعامل مع مفهوم الإصلاح من خلال
اجتراح منهجية ثلاثية تجمع بين الرؤية كتصور فكري، والإطار القانون كمقتضى إجرائي ملزم
على مستوى التنزيل، وأخيراً تحديد الكلفة المالية كضمانة للتَّمكين مِن أدوات الفعل
المهني مع تحسين ظروف الإشتغال. للأسف كنّا نصطدم مرارا وتكرارا في "المجلس العُمري"
بثقافة الإِصطفاف المناطقي وليس المنطقي وسلوك الإقصاء والإزاحة للأشخاص وللآراء الصائبة
مع فتح المجال والإتاحة للكفاءة المصطنعة أمام قضايا حساسة، هذه السياسة الممنهجة أفرزت
لنا كُتَّاب دولة ووزراء في الحكومة الحالية.
لن ننسى اعتراضاتنا المتكررة بجانب النقابة الوطنية للتعليم
العالي على تمرير مشروع القانون/الإطار في شهر غشت مع احتدام الحملة الانتخابية التشريعية
في محاولة انتهازية لتوظيف مؤسسة دستورية مستقلة بقوة النص القانوني.
ولن ننسى أبدا اللجنة المكلفة بمشروع الإطار ومنسقها/كاتب
الدولة الحالي في هندسة مضامينه والذي أعلن فريقه اليوم -بعد مرور سنتين- اعتراضه عليه
في انفصام واضح للشخصية السياسية.
لن ننسى المرافعات والمدافعة التي خُضناها من أجل إنصاف أبناء
الشعب في تملّك لسان عربي متعدد ومتنوع اللغات، عِلماً أن لغة التدريس ليست هي تدريس
اللغات، وأنه لا يُعقل أن غالبيَّة أعضاء المجلس بما في ذالك من يدَّعِي الدفاع بُهتاناً
عن العربية أن أبناءهم يدرسون في البعثات الأجنبية، وأن تدريس العلوم باللغات الأجنبية
لا يطال اللسان العربي في شيء ولا يَعوَّجُ هذا اللِّسان في تنوُّعِه وأنَّ عملية التعريب/الاستراتيجي
ينبغي أن تحاط بضمانات وشروط الترجمة والتأليف والنشر وتوفير الأدوات والحوامل التربوية
في هذا المجال بدون مزايدات إيديولوجية وتهيئ أسباب فشل التجربة، حيث كان خطابنا في
المجلس أعلاه: لسان عربي بتعدد لغوي في العلوم بالفرنسية والإسبانية والإنجليزية في
إطار تكافئ الفرص في التحصيل والتشغيل لكل أبناء الشعب.
تجربتنا كانت مريرة أمام غياب كتلة حرجة مثقفة تقود فكريا
وتمتلك الإرادة والقدرة على بلورة حلول استراتيجية ناجعة
بعيدة عن الاصطفاف الإيديولوجي والبحث المستميت من الإخوة
عن سُلَّم للإرتقاء والجودة في الإسترزاق والحكامة في صناعة التناقضات
إنه نفاق الإخوة في حضرة الرفاق والعصف بالمبادئ فلا هاذا
ولا ذاك استفاق، إنها الفجوة القائمة بين بُطءِ القطار وسرعة البُراق.
خِتاماً حذاري من لحظة التَّراق عندما تلتفّ السَّاق بالسَّاقِ
إلى ربِّك يومئذ المَسَاق..!!
يُتبَع..