بقلم: بولعيد قبوش
لا شك أن أي عملية إصلاح إداري عموما تحتاج
إلى آليات ووسائل مختلفة تتقاطع إجباريا مع الموارد البشرية كآلية لتنفيذ استراتيجية
هذا الاصلاح بفعالية ونجاعة عاليتين، وتنزيل مقتضياته ومضامينه على أرض الواقع، وتحقيق
جودة الخدمات التي تسعى الإدارة إلى تقديمها، فتطوير الأوطان من تطوير الانسان باعتباره
موردا مهما من موارد الانتاج، بل يعتبر مقدمة وناصية الموارد الأخرى، فهو من يطوعها
ويحقق التكامل فيما بينها.
وفي سياق إصلاح التعليم بالمغرب وبعدما
أعد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي "رؤية استراتيجية لإصلاح منظومة
التربية والتكوين والبحث العلمي 2015-2030"، يأتي مشروع القانون- الإطار رقم
51.17 ليضع إطارا للأهداف الأساسية لنشاط الدولة في قطاع التعليم، حيث تم بعثه من قبل
الأمين العام للحكومة إلى وزير الدولة والوزراء
المنتدبين وكتاب الدولة تمهيدا لعرضه على الحكومة.
فإذا كان الأمر كذلك فإلى أي حد استجاب
مشروع قانون- الإطار المتعلق بمنظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، لراهنية
آلية الموارد البشرية كخيار استراتيجي فعال لضمان إصلاح حقيقي وضمان إدارة عمومية حديثة
على مختلف المستويات والأصعدة؟ وهل تم تجاوز أهم الاختلالات القائمة في عملية تطبيق
المبادرات الإصلاحية السابقة والتي لخصتها تقارير الأبحاث في ضعف مشاركة الفاعلين؟.
1- أربع مواد فقط... ترسخ مقولة "من الخيمة
خرج عوج":
في الوقت الذي تسعى كل الأنظمة التربوية
وكل المشاريع الإصلاحية إلى إعادة الاعتبار للموارد البشرية، وبحكم أن الإصلاح يتطلب
دوما فاعلين يحملون رؤية مشتركة وفهما لأهدافه، انطلاقا من تشخيص مشترك لمنظومة التربية
والتكوين، ومن انخراط فعلي في تغيير المدرسة، وقدرة على الدفاع عن الاصلاح بالحجة والدليل
وعن اقتناع...، جاء مشروع قانون- الإطار مبتورا وناقصا في إعطاء الأهمية اللازمة للفاعل
التربوي، حيث اكتفى بتخصيص أربع مواد فقط للباب الخاص بالموارد البشرية من 57 مادة
تضمنها مشروع القانون المذكور، وبالتالي كانت حصة الباب السادس الأقل عددا من بين الأبواب
العشرة التي تم التطرق إليها.
هي ملاحظة اعتبرها بعض المتتبعين علامة
شؤم تنذر بولادة غير طبيعية لمشروع اعتبرته المذكرة التقديمية لوزارة التربية الوطنية،
إطارا تعاقديا وطنيا ملزما من خلال اعتماده كقانون إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد.
2- نقض الغزل... محذور وقع فيه المشروع:
إن الأمر الأكثر غرابة هو افتقاد المشروع
إلى سياق التشخيص، وعدم الإشارة إلى تقرير الهيئة الوطنية لتقييم منظومة التربية والتكوين
والبحث العلمي، وهي الهيئة التي تدخل ضمن هيكلة المجلس الأعلى للتربية والتكوين.
التقرير التحليلي لتطبيق الميثاق الوطني
للتربية والتكوين 2000-2013 –المكتسبات والمعيقات والتحديات-، الصادر في دجنبر
2014، هو الغائب الكبير في سياق المشروع الذي لم تتم الإشارة فيه لأي تقرير من تقارير
المجلس الأعلى للتربية والتكوين -منها تقرير 2008-، وهي التقارير الوحيدة -في ظل انعدام
تقييم شامل- التي أنجزت بطريقة منتظمة وموضوعية...
جاء المشروع كذلك دون أن يشير إلى التجارب
السابقة منها الميثاق الوطني للتربية والتكوين في الوقت الذي اعتبرته المذكرة التقديمية
"إطارا مرجعيا للإصلاح"، كما جاء كذلك خاليا من أي إشارة للمخطط الاستعجالي
كمرحلة إصلاحية استعجالية أتبتت التقارير فشلها، بل هناك مطالب نقابية تدعو إلى فتح
تحقيق جدي في مآل 45 مليار درهم التي رصدت للبرنامج الاستعجالي 2009/2012 دون تحقيق
الأهداف المنشودة منه، وهو الأمر الذي يدفع إلى طرح سؤال المحاسبة وتطبيق مبدأ ربط
المسؤولية بالمحاسبة.
أمام هذا الواقع فستبقى الشغيلة التعليمية
–في نظر بعض المسؤولين- هي من ستدفع ثمن الفشل الذريع في مخططات لم تكن لها في يوم
من الأيام يد في صياغتها أو تنزيلها، وهو ما نلمسه اليوم من خلال خطابات بعض المسؤولين،
ومن خلال طريقة تنزيل لجان المراقبة التي تحتاج بدورها إلى مراقبة، ومن خلال –كذلك-
الاستفسارات الموجهة إلى المدرسين الفاعلين الميدانيين الذين لا حظ لهم من الاصلاح
سوى التهميش وسوء التدبير.
3- في ظل آلية التعاقد ...مهنة المدرس بين
التقدير والتهميش:
حينما تساءل التقرير التحليلي للمجلس الأعلى
للتربية والتكوين حول قدرة النظام التربوي على تمتيع مهنة المدرس بالجاذبية والتقدير،
لدعم انخراط كل المدرسين والمكونين وتحفيزهم وتعبئتهم بعدما أكد أن هذه الفئة تشكل
ركيزة يقوم عليها التعلم والتكوين، معتبرا صيغ توظيف هؤلاء وتكوينهم ومواكبتهم وتقييمهم
حاسمة لتحسين ما ينبغي نقله للأجيال الجديدة...، جاء مشروع القانون لذات المجلس في
المادة 35 ليعبر عن منحى آخر، من خلال عبارة "تنويع طرق التوظيف والتشغيل لولوج
مختلف الفئات المهنية، بما فيها آلية التعاقد" ، والتي اعتبرها البعض تصريحا واضحا
عن مستقبل مظلم للموارد البشرية بقطاع التعليم.
هي ذات العبارة التي اعتبرها البعض الآخر
تلميحا إلى اعتماد آليات أخرى أشد خطورة من التعاقد ليصبح ميدان التعليم بأيدي شركات
المناولة والتشغيل المؤقت، ويصير بذلك مستقبل العاملين بالقطاع غير مضمون ومهددا بالنسف
في أية لحظة، حينها ستصبح التربية سلعة بأيدي أصحاب "الشكارة" بعدما أبدت
الدولة من خلال المادة 45 استعدادها للتنصل من مسؤوليتها في ضمان تعليم مجاني وذي جودة
يحافظ على الهوية الوطنية والثوابت الدستورية للأمة.
4- إعادة الاعتبار للأسرة التعليمية هو تبديد
للمشكلات القائمة أمام مسار التغيير:
في الوقت الذي أكد تقرير المجلس الأعلى
للتعليم في التقرير التحليلي 2000-2013 على ضعف مشاركة الفاعلين من أساتذة ومسؤولين
لبلوغ أهداف الإصلاح، مرجعا ذلك إلى انعدام الحافز والتعبئة لديهم بسبب تعاملهم مع الإصلاحات باعتبارها تعليمات منبثقة من فوق وليس
بوصفها مشاريع ساهم فيها هؤلاء، داعيا إلى ضرورة تبني وتفعيل مبدأ التشارك الذي ترتكز
عليه قيادة التغيير...، جاء المشروع ليكرس نفس الأسلوب الفاشل والمرفوض وبنفس العقلية
التي حكمت المشاريع السابقة بتهميش الفاعلين الأساسيين، ويتجلى ذلك من خلال المادتين
33 و34، التي تهيئ السند القانوني لانفراد المجلس الأعلى والسلطة الحكومية بالقرارات
خصوصا فيما يتعلق بإعداد الدلائل وميثاق أخلاقيات التربية، وإغفال التنصيص على الشركاء
الاجتماعيين كهيئات دستورية لها الحق في تمثيل الموظفين والترافع عنهم في كل المواقع
ولاسيما حينما يتعلق الأمر بالنصوص القانونية.