adsense

/www.alqalamlhor.com

2018/04/23 - 9:44 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست
طبيعي أنه عندما تستيقظ قوى الخير بداخل الإنسان يبدأ مباشرة برفض الكثير من الأمور الغير الصحيحة التي ألفها بحكم العادة التي غالبا ما تبدأ لديه سخيفة ، ثم تصبح جزءا من عاداته وتقاليده ، كما حدث مع بعض البلاد العربية والإسلامية –السعودية نموذجا - التي  صحت فيها مؤخرا قلوب وعقول وضمائر بعض قادتها المتنورين ، فقرروا إنقاد بلدانهم من التخلف ووقف مسرحية التخلف الهزلية وكشف حقائقها واسقاط وجوهها وشعاراتها ، التى كانت ولأكثر من ثلاث قرون تعيث في المجتمع العربي فسادا وجهلا وتخلفا بما تصدر من التيارات المتطرفة الاسلاموية الشوهة الدين الحنيف والمزيفة لحقيقته ، بما تبته من سموم وفتاوى فقهائها الجامدة غير القادرة على استيعاب متطلّبات التغيير الحضاري الذي يشهده العصر ، والتي أذخلت المسلمين في مطارحات بعيدة عن أبسط مقوّمات النقاش الهادئ والمتمرسة خلف المفاهيم المتحجرة و المسبقة حول قضايا : الإعجاز العلمي ، والطب النبوي ، وحكم الردّة والرجم ، والرقّ ،ونقاب المرأة وجواز إمامتها ، وفرضية الحجاب، وشرط المحرم لسفر المرأة ، ومعاقبة المفطرين في رمضان ، وعذاب القبر ،وتلبّس الجن للإنسان ،وشرط موافقة الولي على زواج الفتاة ،وحرمة الاختلاط ، وغيرها كثير من إشكاليات الثرات السلفي ونظرته الأحادية لها ورافضه ،وبدون مبّرر منطقي، لكل اجتهادات الآخرين فيها ، والتي سبق أن اعترض عليها من قلب الحالة الإسلامية ، كتهديد حقيقي لصحيح الدين الإسلامي الوسطي وكمعوق يشل قدرات العقل العربي عن الإبداع ، ويمنعه من التطور والتجدد - الكثير من المثقفين والمفكرين والعلماء المتنورين  أمثال : محمد عبده وعبد الرحمن الكواكبي وقاسم أمين ومحمد أبو زهرة وعبد الوهاب المسيري ومحمد سيد طنطاوي ومحمد أبو القاسم حاج حمد وطه جابر العلواني ومحمد شحرور وفهمي جدعان ومحمد الأحمري ومحمد المسعري ومحمد المختار الشنقيطي وعدنان إبراهيم وطارق سويدان وجاسم سلطان ونهاد خنفر القمني وعبدو أحمد ماهر واسلام بحيري محمد عبد الله نصر، الشهير ب"ميزو" ،ومحمد عابد الجابري ، وأحمد عصيد ، وغيرهم كثير ممن لم ينشدوا غير الدفاع عن الإسلام ، ولم يكن لهم هم سوى التغيير والتجديد والإبداع وتنوير المجتمع وتفتيح عقول الناس لتجنيبهم السقوط فى مستنقع التدين المظهري  الذي يمنح ممارسيه الإحساس الكاذب بالطمأنينة والرضا عن النفس المؤدي إلى السلبية والغفلة ، المرض الخبيث الذي أدخل الأمة في أتون التطرف والإرهاب المؤدي بدوره إلى كل الهوان والشقاء والضنك الذى يعيشه الأمة الإسلامية ، والذي على الأوصياء على شؤونها الترصد لمروجي هذا التطرف في الشوارع والدروب والمقاهي والمساجد وفي المدارس والبيوت ، حتى لا تواجه الأجيال القادمة فيما بعد نتائج أخطرا مما عرفته أجيال هذا العصر ، وتلحق بهم تبعاتها الخطيرة .
لست متشائما حيال "موجة التحرر" التي يقودها متنورو هذه الأمة ، لأنها موجة آن أوانها ، وحل زمانها ، ولا يمكن إيقافها ، كما يقول الناشط الأمازيغي عصيد ، لكني خائف ، ولا أستطيع إخفاء خوفي ، كما العديد من الخائفين من أنْ تصدم نار الاتنكاس طموحاتهم في التغيير والتجديد وتحطّمها عند أول حاجز وأول مطبّ يستوقفها كأشجع تجربة إصلاح ديني لأخطر المحظورات والمسكوت عنها، وأكبر موجة تحرر عرفتها البلاد العربية عبر تاريخها ، وتحويلها إلى كَدَمات وخيبات البدايات، التي إعتادت عليها الأمة العربية والإسلامية ، لأنه ، كما يقال، لا شيءَ أصعبَ من الشُّعور بالخوفِ على البدايات الجميلة، التي عادة ما تكون أفراحُها مؤقتةً هَلِعَةً، فَزِعة، ينالُ منها النكوص والإخفاق بسرعة مهولة ، ولا يبقى كحل لمنتظري نتائجها ، غير الاستعداد لرفع سقف التوقعات وانتظار النهايات ، التي قد تكون صادمة ، فينقلبُ معها المتفائلون إلى نواح يشكون الخذلان والخسران ، ويتقمّصَون دور الشاعرٍ المصدوم ، وينشدون قصائد رثاء " البدايات "  التي أفتتنوا بسحرها مرارا .
لست خائفا من الدعاة المتطرفين وأتباعهم الذين يعتبرون أن الإسلام العظيم ما نزل من عند الله إلا من أجل شرب بول البعير وقطع الرؤوس والأيدي وحجب المرأة ، وليس من أجل العدل والحرية والمساواة ، لأن أمر هؤلاء مقدور عليه -رغم  خطورتهم - بعدما أضحت أساطير فقههم القديم مكشوفة أمام الواقع والعلم والضمير الإنساني وأمام معيار الكرامة والقيم الكونية النبيلة، لكنني خائف كل الخف من الهجمات الممنهجة ضد  مبادرات التغيير و التجديد ، الزاحفة علينا من الأجهزة الأمنية ....التي تطلق يد كل جاهل ليعيث في المجتمع العربي فسادا وجهلا وتخلفا وكل ما يتهدد استقرار المجتمع ويمزق نسيجه المجتمعي ووحدة الوطن، بالتحريض على الكراهية والمذهبية والطائفية التي تحارب العقل والفكر وتشجع الجهل والتفكير وتطارد المثقفين وتصفيهم جسديا وروحيا وعاطفيا وتجعلهم في الدرك الأسفل من السلم الاجتماعي ، وترفع فوقهم حثالة المجتمع وأكثرهم تخلفا من الغوغاء والمشبوهين واللصوص والقوادين لصبحوا وزراء ومدراء وأصحاب رؤوس أموال ، ليشكلوا جماعة ولوبي مناهضة لتقدم بلدانهم وتشجيع تخلفها والمحافظة على التخلف ، وترصد ومعاقبة كل من يركل عقائد التخلف بقدمه أو يده أو لسانه أو عقله ، والتي تشكل خطرا على الأنظمة الأمبريالية العالمية المحافظة على التخلف والمشجعة على بقائه ودوامه في البلاد العربية والإسلامية ، كدوامة لا مخرج لها منه إلا بحزم وحسم تفتقدهما حكوماتها الحالية ، مع تحكم الكثير من وعاظ السلاطين المنافقين المخادعين .
وأختم مقالة بهذه القصة التي تفضح مسألة تشجيع التخلف في البلاد العربية والإسلامية ، -التي لا أدري مدى صحتها - حيث يحكى أن سفيرا أنجليزيا شاهد يوما شابا هنديا يركل بقرة برجله ويهينها ، فأمر سائقه بالتوقف وترجل من سيارته واتجه نحو البقرة وشكل لها حماية أمام مرأى من الجماهير ثم احتضن البقرة واغتسل ببولها ومن ثم عاد إلى السيارة، فقال له من كان برفقته: هل تؤمن بعبادة البقر؟ فقال: أنا لا أومن بعبادة البقر، ولكن هذا الشاب لم يقم بركل البقرة وحسب وإنما قام بركل العقيدة التي ندافع عنها كي تبقى الهند على ما هي عليه، ولو شاهده الناس وهو يركل العقيدة مرات ومرات لتشكلت جماعة مناهضة لسياستنا ولتقدمت علينا الهند.