بقلم الأستاذ حميد طولست
يقال أن من فوائد السفر إلى جانب جلبه للرزق
، أنه يسلي النفس ، ويزيل الهم ، ويفرج الغم ، لكنها لا تتم بالابتعاد عن البلد جغرافياً
فحسب ، بل بالنأي بها عن كل ما يربطها بهموم محل الإقامة ، والانتقال بها من شعورٍ
إلى شعور ، لأن الهم إذا صاحبها في أي من أسفارها ، فهي كالمقيم الذي لم يبرح مكانه
، أو كالذي لم ينتقل من بلدٍ إلى بلدٍ ، أو من ثقافة إلى أخرى، رغم ما تكون قد كابدته
من وعثاء السفر ، وعانته من وعكة حزم الحقائب وحشوها بالأدوية وشواحن الأجهزة الإلكترونية
والملابس المناسبة لجو المنطقة المقصودة، والتأكّد من وزنها حتى لا تتجاوز الوزن المسموح
به، ورغم ما يمكن أن تكون قد تجرعته من كآبة منظر المسافرين المحنطين بغير نظام في
طوابير المطارات ، لا يبكون فيها ولا يضحكون ، وقد سرح تفكير غالبيتهم في قنينات الغاز
وهل تم إغلاقها ؟ ونوافذ البيوت وأبوابها وهل أُحكم إقفالها جميعها ؟ وقاطع الكهرباء والماء وهل لم ينسى "سدهما
وتزيارهما" جيدا ؟ المنظر الذي دفع بي سوءه،
بباعث الخوف من وعثاء ما قبل الدخول إلى بطن الطائرة ، إلى ترديد دعاء السفر
، والتعود من قلة نظام المسافرين وعدم وانتظامهم ، الذي عرفت بعضا من كآبة منظره عند
الولوج إليها في جل رحلاتي السابقة، لكن ما سرني خلال هذه الرحلة وانبسطت له في هذه الرحلة ، ونفض عني وعثاء السفر وكآبة المناظر
التي عشتها على متن الخطوط الملكية المغربية التي أركبها لأول مرة في سفري ، ما بلغ
إلى علمي عبر مدياع الطائرة ، بأن ربان الطائرة هي امرأة مغربية من جنوب المغرب
"تافراوت" والتي أدهشتني طريقة إقلاعها وهبوطها بالطائرة بسلاسة يفتقد إليها
الكثير من الربابنة الرجال، وما زادني انبساطا فوق انبساطي ، وصعد بنفسي إلى حالة السرور
، هو تعامل السيدة "بنحمو" قائدة الطائرة مع طارئ غاية في الحساسية لا يتطلب أقوالاً ، بل أفعالاً
تتنزل على الجميع برداً وسلاماً، حيث كانت بارعة ذكية على تشتيت حمم ورماد الغضب الذي
تغشى إحدى المسافرات بسبب خلاف تافه مع إحدى المضيفات ، سريعة ومهذبة تهدئتها ، مع
الحفاظ على ماء وجه المضيفة . كانت سيدة محترمة ، تتميز بجمال رباني بريء من كل الرتوشات
، وصفاء مجرد من كل المساحيق المعتادة عند الكثيرات في وضعيتها .