بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
البت هيفوتها القطر ..
لا ينقضي يومٌ إلا وتسمع ثريا هذه الجملة
،بالرغم من كونها متفوقة دراسياً ،وكونها جميلة جداً ،إلا أن والدها يريد تزويجها من
ابن اخته كمال ..كي يتخلص من ثقل تعليمها وتربيتها ،الذي أتعب كتفه !
- ثريا ..سيبي الكنيس وتعالي بسرعة ..!
مسحت ثريا عرقها الثاني عشر ،ثم ذهبت لإمها
لترى الأمر
..
- ايه رأيك فى كمال ،دا شاب بيكسب كتير أوى
،وكمان هتروحى عند عمتك اللي بتحبك وهتراعيكي ،وفوق كل دا ودا هتبقى جنبنا فى نفس البلد ..!
كانت ثريا تسمع الكلمات بوجه مغسول مبتسم
،فكل ما تعرفه عن الرجل هو هيئته ومدى رفاهيته ،وكلامه الرومانسي الحلو .
- يا بنتي انا وابوكي عارفين مصلحتك فين..
اسمعي كلام امك انتي هتعيشي احلى عيشة و .. و..
كانت ثريا هائمة بخيالها فى عالم آخر ،عالم
مغتص بالزهور البنفسجية وكمال يقف امامها ثم يقطف وردةً، فيتنفسها ثم يعلقها بين خصلات
شعرها ،ثم تتذكر حديث صديقاتها الجميل عن الحب ..وأن يكون للفتاة عشيقٌ أو حبيبٌ ..!
- ثريا انتي روحتي فين ..بقولك.. لا انتى
مش معايا خالص ..عاوزاكي تصحصحى كدا عشان هو جاى النهاردة ..عاوزاكي تقعدى معاه وتكلميه !
انخطف قلب ثريا ..ثم قامت هائمة سارحة فى
ذات العالم ،كأنّ بها سحراً
جلست أمام المرآة ساعات طويلة ،ثم قامت
بتشغيل الأغاني فأخذت تتراقص ،هناك أول فارس أحلام على وشك القدوم ،جعل قلبها يتراقص
حباً ،وجسدها فرحاً ..سيغمرُ حياتها بالمداعبات والرومانسية ،التي حُرِمَ منها قلبها .
كان كمال يدق على الباب ،أحست حينها أنه
يدق على قلبها طالباً الدخول ،أحست بالحب ..!
- اتفضل يا كيمو يا حبيبي
رحبت به الام ..ثم نادت على ابنتها الهائمة
..ثم تركتهما بمفردهما
وذهبت لغرفتها ،كان المكان يسوده نظرات
الرومانسية والحب
..!
لكنْ لا كلام لا حديث الا حديث الصمت هو
الذي يرنو فى المكان
- ازيك عاملة ايه يا ثريا
- تمام الحمد لله
كانت الكلمات يسودها الكسوف والهدوء ،فأخذا
يتبادلان الإبتسامات ..ثم جاء تليفوناً إلي كمال ،فطلب الانصراف حيثُ أصدقائه فى انتظاره
منذ ساعة
.
* *
هذه اللحظات كلها كانت تتذكرها ثريا وتبكي
..ثم تمسح دموعها السابعة عشر حتى لا يلحظ المارون عليها شيء، حيث كانت تجلس على رصيف
طريق سريع وحيدة وبوجه منكمشٍ من شدة التعب ،كان البرد ينخر فى عظمها ..حيث أنها هربت
من البيت الذى ألقى بها والدها إلى أصحابه ؛لتكون فيه عبدة -جارية-
وأخذت تجرفها تيارات الأفكار السلبية ساعتئذٍ،
فتولدت لديها فى الدقيقة كتلة من الأحزان تزن طن حديد خام ..!
فقد خُدِعَت ووقعت فى فخ ،لم تكن تتصوره
،فلم تجد الرومانسية التى كانت ترسمها فى عقلها ،ولم تجد فى زوجها ذلك الشاب الشيك
المنظم ،بل وجدت شخصاً آخر، شخصاً مدمناً للمخدرات مهملاً فى نفسه وبيته ،ودائماً يُشعرها
بالضعف بأنها لا تملك شيئاً فى الشقة ،ولو مات لن ترث فيه لا هي ولا ابنته ..حتى الذهب
الذى خطبها به سلبه
..
فليس لها حقوقاً ،بل عليها واجباتٍ ،فهى
جائت للسرير ،والكنس والطبخ ،وتدليك قدم زوجها ،وتربية ابنتها ،وأنْ تُطيع الاوامر
وفقط ..
حتى أنّ صديقاتها ومعلميها باتوا ينظرون
إليها فى ازدراء ،بعد أن كانوا ينظرون إليها في فخرٍ وإعجابٍ .
هامت ثريا وتاه بها عقلُها ،وغاص بها فى
عالم موحش ،من شدة التعب النفسي ،فقررت أنْ
تُغضض جفونها فى حياةٍ كلّ من فيها يريدها عمياء؛ كي يستغلها لمتعته ،فسارت بأعين مقفلة
،وهي تعبرُ ببطءٍ طريقاً ،ليس به مطبات صناعية ..!