بقلم الأستاذ حميد طولست
مهما تقدم الإنسان في العلم والتكنولوجيا
فإنه يظل حبيسًا لبعض ما يملأ تراثه الشعبي من المعتقدات االتي قد يكون لها أصول ديني
أو ثقافي أو مجتمعي ، ويحيا أسيرًا لتأثير ما يخلقه حولها من أساطير الحظ وحسن الطالع
أو اللعنة والشؤم ، كما هو الحال مع الأرقام ودورها المحوري في حياة الناس اليومية
، وخاصة الأرقام الملعونة منها ، التي مهما أنكرنا رهابها ، واعتبرناه رهابا خرافيا
، فإن هناك شعوبًا بأكملها تتشاءم من شر رقم بعينه ، رغم كل ما يكتنف علاقة ذاك الرقم
بالشر من الغموض الذي ارتبط به منذ زمن بعيد ، كما هو حال الرقم 13 الذي يرمز لحادث
العشاء الأخير للسيد المسيح عليه السلام والذي حضره 13 شخصا ، ذاك الشر الذي لم يقتصر
على الرقم 13 وشمل غيره من الأرقام ، كالرقم 4 المشؤوم عند اليابانيين ، والرقم
666 الذي يرمز إلى الشيطان ، والرقم 5 وقيمته السحرية حين يتعلق الأمر بالعين الشريرة
، والرقم 7 المشؤوم في بعض دول آسيا وبلاد المغرب ، والذي يحظى لديها بقيمة سحرية فريدة
من بين غيره من الأعداد، لما يستمده من قوة
غامضة من كونه يشير إلى عدد قبائل الجن أصل المعتقدات السحرية كلها (وفق بعض الأساطير
المحلية) ، وكذلك الرقم 8 الذي هو رقم حظ لتشابه نطقه بكلمة يزدهر أو يجمع المال ،
عند الصينيين واليابانيين وفيتناميين وكل الدول المتأثرة بالثقافة الصينية ، والذي هو رقم
شؤم وسوء حظ في الهند ، لأنه يمثل ساني هادم السلام وكاسر العلاقات ، ولا يقتصر
رهاب الرقم 8 عليه كرقم مفرد، بل يستمر تأثيره
حتى وإن ارتبط بغيره من الأرقام كما في 18 مثلا أو 28 أو38 أو48 الرقم الذي يكرهه العالم
العربي والإسلامي ويلقى فيهما سمعة سيئة ونذير شؤم ، لارتباطه بعام النكبة الفلسطينية،
حيث شهد عام 48 هجرة اليهود إلى فلسطين وإقامة دولة إسرائيل ومن ثم هزيمة العرب في
نفس العام أمام القوات الصهيونية.
وعلى ضوء هذا السرد الوجيز لهذا النزر القليل
من الأرقام الملعونة على مر التاريخ ، أتساءل عن السر في تكرار الرقم 8 الوارد في القضية
التي يتابع فيها بوعشرين بتهم الاعتداءات الجنسية والاغتصابات؟! وهل هو محض صدفة ،
أم أن وراء ذلك سرا ؟ حيث نجد أن الرقم 8 قد تكرر فيها عدة مرات دون غيره من الأرقام
، فورد في تعيين عدد الضحايا اللواتي يشتبه أنه ارتكبت في حقهن جنايات الاتجار بالبشر
باستغلال الحاجة والضعف والهشاشة، واستعمال السلطة والنفوذ لغرض الاستغلال الجنسي عن
طريق الاعتياد، والتهديد بالتشهير، وهتك عرض بالعنف والاغتصاب ومحاولة الاغتصاب واللواتي
حصروا في 8، الرقم نفس 8 الذي تكرر مرتبطا بغيره في الفصول التي نصت على
عقوبة تلك الجنايات أمثال: 448-1 و448-2 و448-3 و485 و486 و 114 من مجموعة القانون
الجنائي ، كما ورود الرقم 8 مرة أخرى في الموعد المقرر لمثول المتهم أمام المحكمة بتاريخ
8 مارس 2018 ، والذي يصادف اليوم العالمي للمرأة ، التزامن الذي من الصعب أن يحدث صدفة
أو عبثا أو بلا هدف !
ربما يتساءل القارئ الكريم لماذا خطر ببالي
مثل هذا التساؤل ؟ الجواب بكل بساطة هو أولا : لأن كل ما يحدث في الكون فهو بمقدار
وحكمة يعلمها الله وحده وقد يعلمها لأحد من خلقه مصداقا لقوله تعالى في آية الرعد التي
تحمل هي الأخرى الرقم 8: وكل شيء عنده بمقدار عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال
"الرعد8 .
وثانيا : لأنه ربما يكون اختيار الرقم
8 لم يأت اعتباطا ويحمل دلالات معينة ، وله هدف محدد ، كما هو حال لغة الأرقام المستخدمة
في القرآن والتي لها دلالات قد تكون غير جلية بالنسبة لبشر ، وقد تكون ذات غرض تعليمي
، كما هو حال الكثير من آي القرآن الكريم التي
جاءت لتعلم الإنسان العد والحساب ، وقد ذُكر الرقم ثمانية 5 مرّات في القرآن، الآيات:
ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ
وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا
اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ (143) الأنعام
قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى
ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا
فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ
مِنَ الصَّالِحِينَ (27) القصص.
خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ثُمَّ
جَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ
يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ
ثَلَاثٍ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى
تُصْرَفُونَ (6) الزمر
سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ
أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ
خَاوِيَةٍ (7) الحاقة
وَالْمَلَكُ عَلَى أَرْجَائِهَا وَيَحْمِلُ
عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (17) الحاقة.
وليس عبثا أن يختار اللَّه عزّ وجلّ العدد
88 ليكون رقمًا لآية التحدِّي، التي يقول فيها سبحانه: "قُلْ لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ
الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ
بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا "(88) الإسراء.
وثالثا : لما للرقم 8 من المكانة في الثورة
الرقميّة، التي يشهدها العالم والذي يعتبر بدون مبالغة ، هو مفتاحها وأهم الأرقام فيها
وأمها ولأنه بكل بساطة هو الرقم الذي يحتوي على جميع الزوايا، ومركّب من أجزاء متعددة،
وإزالة أي جزء منها ينتج من الأجزاء المتبقية رقمًا مختلفًا، وبذلك تتولّد وتتشكّل
منه جميع الأرقام والأعداد التي يعرفها البشر (0، 1، 2 ، 3، إلخ..)، وهو الرقم الذي
تقوم عليه ذاكرة جل الأجهزة الإلكترونية ، بحيث أنك إذا أمعنت النظر في لوحات جميع
الأجهزة الرقميّة الإلكترونية قبل أن العمل، من عدّادات كهرباء إلكترونية أو ساعات
إلكترونية أو ميزان إلكتروني ، فلن ترى في خلفيّة لوحاتها غير الرقم 8 مكرّرًا في جميع
خاناتها، ولأنه الرقم المُعجزة الذي إذا تغير وضعه تحول بسهولة إلى رموز رياضية أخرى
مهمة، ومنها ما لا نهاية ∞، كما يستخدم كرمز رياضي يعني الإضافة والتعدد
(&).
وفي الختام -وبعيدا عن مجال اللّوم أو العتاب
أو الإدانة أو إصدار الأحكام الأخلاقوية أو حتى التضامن في قضية لم تقل بعد فيها المحكمة كلمتها العادلة - أتمنى صادقا ألا يكون الرقم 8 رقم نحس وتشاءم ، لا على المتهم ولا على الضحايا.