بقلم الأستاذ علي أبو رابعة
كانت الساعةُ التاسعةُ مساءً ،عندما وقعت
على سمعي مقولةً ،كانت تدعوني للتفكر والـتأمل قليلاً..
"أنّ الإنسانَ إجتماعيٌّ بطبعه
" !
قد تكونُ غريبةً بعضَ الشيء على حواسي ،وثقيلةً
على قلبي ،على الرغم مِنْ كثرةِ تكرارها علي عقلي ،لكنْ هذه المرة تناديني بصوتٍ رخيمٍ
أنْ تأملني ..
قد تكون عبارةً شريدةً لم يصنعْ أحدٌ لها
بيتاً قبلاً ..حتى لو كان هناك صانعاً سابقاً ،فلماذا لا أصنع لها مثيلاً أو شبيهاً
،لعلها تفضل صنيعتي ؟! ..
فليكنْ إذنْ ..!
فآدم وحواء إبان حادثة النَزل بعدد سنين
يعلمهم الله ،أتوا بذريةٍ طيبةٍ ،فعرفت الارضُ لأول مرة حكاية الاجتماع المتعاون المتشارك
فى كل شيء ،والمعتمد على بعضه البعض ،على عكس كل الجماعات التى وُجدت عليها سابقاً
وآنفاً ..
كجماعات الحن والبن التى كتب عنها المفسر
القرآني ابن كثير فى مخطوطة البداية والنهاية تفسيراً لآية "وإذ قال ربك للملائكة
إنّي جاعلٌ فى الأرض خليفة قالواْ أتجعل فيها من يُفسد فيها ويُسفك الدماء ونحن نسبح
بحمدك ونقدس لك قال إنّي أعلم ما لا تعلمون " الآية سورة البقرة
فالملائكة لا تعلم الغيب والغيبية يعلمها
ربُها وحدَهُ ،لكنْ قالواْ ذلكَ عن سابقِ معرفةٍ ..حيث خلق الله قوماً يُدعونَ بالبن ، لكنهم ساروا فى الأرض مفسدين متحاربين
مع بعضهم البعض. . فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها
بعدهم ..لكن الجن ساروا على عهد سابقيهم بالقتل والفساد ..فسلط الله الملائكة بسيوفٍ
من نار ليقتلوا وليطردوا الجن ،فقتلوا القليل ،وأسروا القليل ،وهرب القليل الأخير ،
فمنهم من سكن الماء والبحار ،ومنهم من سكن الجبال ،ومنهم من سكن أسفل الأرض ..وفى نفس
الرواية يقولون أن الملائكة وجدت ابليس جنيّاً صغيراً طفلاً ،فاخذوه معهم الى السماء
فتربى بينهم ..!
وهذا يُفسر لماذا عصى ابليس ربه، بأن لم
يسجد لآدم ..بسبب الغيرة التى أكلت قلبه بأنّ آدم خَلقاً أفضل من طائفته
..!
وهذه الروايات شائعةٌ ،لكن لا سندَ صحيحٌ
عليها ..لكن فلنفترضها جدلاً من باب أنّ قوماً سكنوا الارضَ ،ولم يعمروا فيها طويلاً
؛ذلك سبب عدم التمتع بخصيصة الإجتماعية ..
فليكنْ مرةً أخرى ..!
فالإجتماعية شيءٌ فطريٌّ فريدٌ
..
فلا يقتل ،ولا يسرق ،ولا يزني ،ولا يأذي
،ولا يظلم ،ولا يفسد ،ولا يبطش
إلا من استغنى عن إجتماعيته ،وعن فطرته
..ومَرِضَ قلبه وعُمِىَ بصره ،وانغلق عقله ،فأخذ ينشر الخراب والهباب فى جنبات الارض
.
فابن آدم قتل أخيه لأنه تخلى عن اجتماعيته
،فقتل اخيه حسداً له ،وحقداً عليه ،وحباً لذاته، وسجوداً للذاته ..فكانت أول جريمة
فى التاريخ بسبب عدم الشعور بالولاء والانتماء للأسرة بأنَّ ذلك أخاً له
!.
فلو كان كلٌ منا يعيشُ وحيداً منذُ آدمَ
أو الآنَ ..لكانتِ الارضُ تعيشُ فى خضمِ الحروبِ ،فلا قوانين الا قوانين الغابات
"البقاء للأقوى أو للأصلح أو للأبقى " ..
والارضُ وقتَئذٍ لن تتسعَ لكثيرٍ منا
..ولن نجدَ طعاماً أو ماءً فالاقوى قد أخذ الماء والطعام بوضع اليد ..فلن نجدَ إلا
أن نأكل بعضنا بعضاً ..أو أنفسنا على الأرجح !
لو لم نكن إجتماعيين لكانت قيامتُنا بعد
حادثة النَزَلِ بعدد سنين ليس بالكثير !
وهذه هى خطة ابليس لتعجيل قيامة الإنس
..بأن ييأسوا من بعضهم بعضاً ..وأن يحزنوا ،وأن تقومَ بينهم الفتنة ..وأن تمرضَ قلوبهم
بالكره ..حتى يتقاتلونَ ،ويأكلونَ حقوق بعضهم ،ويسرقونَ كذلك ..
ويكرهون مجتمعاتهم وآبائهم بثقافتهم ونصائحهم
..فلا يعلو صوتُ الصبي الذي يشعر بالولاء لأبيه ..
ولا يسرقُ مَنْ يخشى سمعته وكرامته ،ولا
يخونُ وطنه محباً له أو منتمياً له .
"فالانسانُ إجتماعيٌّ بطبعه
!."