بقلم الأستاذ حميد طولست
سألني أحد رواد المقهى الذي أرتاده : لماذا
تكتب ضد الإسلام والمسلمين ؟ سألته باستغراب : ومن أين انتقيت ذلك أيها المحترم؟
!! قال بحدة الصياد الماهر الذي ظفر بطريدة : من كتاباتك الزاخرة بالتنديد والهجوم
على كل ما له صلة بالدين الإسلامي ، والعامرة بالهجوم على سلوكيات المسلمين وقيمهم
. كان ردي هادئا مشفوعا بابتسامة المنتصرين : لا أيها المحترم ، لقد أخطأت الهدف ،
فتحليك لمكتوباتي غير واقعي ، ربما لأنك لم تفهم مدلولاته العميقة ، التي لم تحمل قط
عداء للمسلمين - كما يتبادر لبعض الأذهان المتخلفة التي تقرأ الكتابات بالمقلوب- إذ
كيف لي أن أفعل ذلك ، وأنا واحد من المسلمين ، سمعتي من سمعتهم ، ؟ كما أنها لم تتضمن
في يوم من أيام عداء الدين الإسلامي ، لأنه الذين الذي ولدت عليه ، وكبرت على وسطيته
وسماحته ، التي تعلمتها من أبويا المسلمين ، أومن بالله الواحد الأحد ، وأشهد أن محمدا
عبده ورسوله ، أمارس العبادات ، وأتمسك بآداب القرآن وبأوامره وبنواهيه وبأحكامه وبتوجيهاته
في ما يصدر عني من سلوكيات تجاه الآخرين ، الذين أتعامل معهم بتواضع وبدون كراهية ،
وأتقرب إلى خالقي سبحانه بحبهم واحترام إنسانياتهم وتقدير وضعهم الاجتماعي أيا كان
، وأتفانى ،قدر المستطاع، في خدمتهم وتقديم العون لمن يحتاجه منهم ، دون حاجت لي إلى
فتوى شيخ جاهل لا يعني عنده مفهوم الهوية إلا التشبث بمطلق التراث ، و لا تعني عنده
الأصالة غير المكوث في كهوف الماضي ، ولا يحسن سوى ملاحقة من يخالفونه الرأي ، بالكفر
والزندقة ، وجون مساعدة فقيه مخادع يرى نفسه المؤمن الوحيد وكل من يعيش على غير شاكلته ، سفيه و لا يفهم في الدين
، بينما هو في حقيقته مؤمن بالشكل كافر بالقلب ، بدليل قوله تعالى : "وَمِنَ النَّاسِ
مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ
* يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ
وَمَا يَشْعُرُونَ"..
لذلك تراني ، أيها المحترم، أكتب ما يمليه
علي ضميري وقناعتي في انتقاد كل المباني الفكرية والفقهية التي يروج لها الشيوخ والفقهاء
والدعاة -المتطرفين المنزهين لذواتهم والمحتكرين لكل لحقائق - حول مفاهيم الجهاد، والكفر
والحرابة ،والشرك ، والردة، وكل ما النصوص التي يبررون بها نبذ الآخر وحرمانه وهتك
حرمته واستباحة دمه ، وأفضح مسؤولياتهم الجمة في غياب القيم الحضارية الإسلامية عن
سلوكيات مجتمعاتنا، بإهمالهم للقيم والأخلاقيات الإسلامية التي من شأنها، في حالة شيوعها
وانتشارها، ضبط سلوكيات الإنسان وتهذيب أخلاقه بالقيم والآداب السامية والذوق الرفيعة
، وانشغالهم عنها بتوافه الأمور الدينية من غريب القضايا الغيبية والمسائل الخلافية
، التي يستميتون في الدفاع عنها ويدعون الناس للاصطفاف معهم في خندقها الذي يتخذونه
أداة للخداع والتزوير ومدعاة للتناكر والتباغض بين الأفراد ومعولا لهدم الدين الإسلامي
الحق ، ومنظومته أخلاقية متكاملة، التي جاءت إلا لتربية الإنسان على الفضائل، وتهذب
سلوكه، وتعليمه كيف يلتزم الأدب والذوق في كل أقواله وسلوكياته
.
ويكفيني ،أيها الفاضل، أني أفعل ذلك حتى
وإن خالف رأي المتشددين ، أو لم يرُق لأكثريتهم ، ودون اكتراث بجحيم الآخرين الذين
لا يفهمون ، ورغم صعوبة المسار ووحشة سراديبه ، وقسوة همس الهامسين ولمز اللامزين ،
وذلك أن أكون أنا نفسي عند ممارسة الكتابة التي هي عالمي الخاص الذي أجد فيه راحتي
، وأشعر فيه بوجودي ، والذي أمضي في طريقه مسخرا إياه رسولا للمحبة الصادقة الخالصة
المؤدية للتفاهم والتوافق وفعل الخير ، في هذه الأمة التي لا تتبنى الصدق في أقوالها
وأفعالها ولا تجهر بالحق ، وتنظر للإنسان ليس
كما هو ، بل كما تريده هي أن يكون ، وتحكم على عبادة غيرها من المسلمين من خلال المظهر،
طول اللحى، وضخامة زبيبة الصلاة ، و سواد غطاء شعر المرأة ووجهها ، ضدا في كافة النصوص
المقدسة، وتاريخيتها، وفلسفتها، وضدا فيما يخلفه ذلك التحكم من الانحطاط الفكري والعلمي
والأخلاقي الكبير الذي يصيب الشعوب العربية والإسلامية، الذي يسلبها قوة الإرادة وشجاعة
التغيير..
نعم أفعل ذلك وحسبي في ذلك إيماني بما أكتب
وبضرورة ما أكتب لنصرة الإسلام الوسطي الذي ولدت عليه وتربيت على سماحته وتشبعت بتعاليمه
وأخلاقه الفاضلة .
وأتمنى في الختام، أن تكون ،أيها الفاضل
، قد اقتنعت بأن نقد الجهل المطبق الذي يغرق فيه شيوخ ودعاة وفقهاء الفِرق والمذاهب
الدينية المتشددة، والتنديد بتقديسهم للفهم الخاطئ للدين واشتباهاته المنحرفة ، التي
تبرر العنف وسفك الدماء ، ليس انتقادا للدين الذي هو اعتقاد العبد، ولا للعبادات التي
تستهدف تربية الضمير، وتهذيب النفس، وتطهير الروح ، ونقاء القلب، وتقوية كل معاني الإنسانية
، وليس حقدا ولا كرها للنسك العابدين من المسلمين ، وإنما هو انتقاد نابع من الخوف
على الدين الصحيح من المبالغين في الإساءة لقواعده وأحكامه وأخلاقياته السليمة، بما
يشكل من خطر عليه وعلى المنتمين له من المسلمين المسالمين وقد صدق ، التنويري الأستاذ
ماجد الغرباوي حين قال : إن بعض التطرف خارج حدود الشرك أخطر من الشرك، فربما مشرك
مسالم، لا يستغل عقيدته، ولا يفرضها على غيره، يحترم الآخرين "، كما صدقت المقولة
الشهيرة : "أن يصحبني فاجر حسن الخلق أحب إلي من أن يصحبني عابد سيئ الخلق"
فاللَّهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك عليه في كلِّ
وقتٍ وحين، وفي كلِّ مِلَّةٍ ودين، وفي العالمين إلى يوم الدِّين
.