بقلم عبد الحي الرايس
في سِنِّ الزُّهُور، ومَيْعَةِ الصِّبا،
وعُنْفُوانِ الطموح، تُغادِرُ نُورَا البيت نحو الثانوية، مَزْهُوَّةً بالشباب والحماس،
مُنْتشيةً بالْأحلام والآمال، وفي لحظةّ عُبُور، تُفاجَأُ بدراجةٍ ناريةٍ مندفعة تَدْهَسُهَا
فتُسْقِطُها أرضاً، وتَهْدِمُ معها مستقبلاً واعداً لتلميذةٍ جادَّةٍ متميزة...
وتُفيقُ من غيبوبة الصدمة على شَلَلٍ سُفْلِيّ
يُفْقِدُها القدرةَ على الْمَشْي، بكل ما يُصاحبُ ذلك من مُضاعفاتٍ وآلام، وإجهازٍ
على الطموحاتِ والآمال.
سَنَوِيّاً تحصدُ الحوادثُ ما لا يقلُّ
عن أَلْفٍ من الراجلين، وتُخَلِّفُ المائاتِ من المعاقين.
فما ذا صنعنا للحدِّ من المآسي وإيقافِ
النزيف؟
- إحصائياتٍ تُصنِّفُ المصابين، وقوانينَ تزجرُ السائقين
على الاندفاع وعدمِ الانضباط، وتُغَرِّمُ الراجلين على العشوائيةِ وقِلَّةِ الانتباه،
وصيحات متجددة تدعو إلى رفع مستوى الاهتمام بالتربية وتعديل السلوك.
وما ذا غير ذلك؟
- تَقْصيرٌ ملحوظٌ في تهيئةِ الفضاء الطرقي، وتحريرِ
الملك العمومي، وتنظيمِ الممراتِ الْمُؤَطَّرَة، والولوجياتِ الْمُعَمَّمَة، والْمَسَارَاتِ
الْمُؤَمَّنَة.
- وتَمَايُزٌ غيرُ مقبولٍ بين :
- مُدُنٍ فَعَّلَتْ إرادَتَها، فحرَّرَتْ أرصفتها،
وأبرزتْ ممراتها، وأعلنتِ السيْرَ نحو تعميمِ الولوجيات، ومسارات الحافلات والدراجات.
- ومُدُنٍ تُهادنُ الفوضى، وتتغاضى عن اكتساح الارصفة،
ولا تُلْقِي بَالاً لتنظيم المسارات، ولا لتعميمِ الولوجيات، حتَّى لَتَبْدُوَ وَكَأَنْ
قد شُلَّتْ لَدَى مُدبِّريها الْإِرَدَات.
لا يكفي أنْ نَسُنَّ التشريعات، ونُحْصِيَ
الإصابات، ونرفع الشعارات.
ولكن ينبغي أن يقترنَ ذلك بحزمٍ ورُؤيةٍ
في التخطيط والتنظيم، وعزْمٍ ومُثابرةٍ على التصحيح والتحرير.
وكفى استهانةً بالفضاء الطرقي، فالِانْشِغالُ
به، والسَّهَرُ على تهيئتهِ وفْقَ معايير، وتأطيرِهِ وفق ضوابطَ وقوانين، كفيلٌ بتعميم
الوقاية، ورِبْحِ رهان السلامة.