بقلم الأستاذ حميد طولست
كثيرة هي السلوكات المستفزة التي عمت مجتمعنا
، والتي أصبحنا نراها ونتألم لها ونتأسف عليها ونضطرب بسببها ونتكلم عنها ونناقش وقوعها،
ولا نفعل ، مع الأسف ،أي شيئاً حيالها ، فتتكاثر وتنتشر وتعم كل الأوساط ، وقد دونت
في الفيديو المدرج تحته ، أحد تلم السلوكات والتي أثارت انتباهي والكثير غيري ، وأنا
أتجول في شوارع حي ، بل مدينة "أولاد
أوجيه" الواقعة بين شاطئ المهدية والقنيطرة ، والتي تمثلت في ظاهرة تجوال عدد
من الأشخاص في الطرقات والشوارع يرتدون صدريات رسم عليها تصميم مسجد ، ويدعون الناس إلى التبرع لبناء مسجد
في هذا الحي المزدحمة بالمساجد حد التخمة،
وهذا لا يعني أني ضد بناء بيوت الله ، كما يمكن أن يتبادر إلى بعض الذين يتعاملون
مع بناء المساجد بحساسية شديدة ، ويعتبرون أن المساهمة في بنائها لا يضاهيه في الأجر
غيره من أعمال الخير الأخرى ، كبناء المدارس و المستوصفات أو دور الأيتام ، والتي تعرف
كل المدن المغربية خصاصا مهولا ما يجعل المحسنين وجمعياتهم ، التي يحجمون الناس عن
التطوع والمساهمة في بنائها، مع أن بناءها
أو التبرع لبنائها ، هو أيضا عبادة تقرب إلى الله تعالى كبناء المساجد تماما وربما
أكثر منها ، لأثرها الخطير على حياة الناس ، وما لها من فعل في طيب على المرضى واليتامى
والتكالى والفقراء والمساكين ، الأمر الذي أكده الحديث الشريف الذي قال فيه رسول الله
صلى الله عليه وسلم : الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، وكالصائم
الذي لا يفطر، وكالقائم الذي لا يفتر" ، ونفس الأمر الذي ذكره الإمام عبد القادر
الجيلاني* في قوله : "لقمةٌ في بطن جائع خير من بناء ألف جامع، وخير ممن كسا الكعبة
وألبسها البراقع، وخير ممن قام لله بين ساجد وراكع، وخير ممن جاهد للكفر بسيف مهند
قاطع، وخير ممن صام الدهر والحر واقع، فيا بشرى لمن أطعم الجائع" ، نخلص مما سبق
أنها مفارقة عجيبة تجاهل برد وجوع الفقراء
، والقيام ببناء مساجد ضخمة ليشكوا فيها الفقراء لربهم فقرهم وجوعهم وبردهم ! لذلك يبقى إطعام الجياع وستر العراة ، خير ألف
مرة من بناء الجوامع ، فكفوا على ابتزاز الناس بدعوى بناء المساجد ، واعلموا أن جمع
المال مسؤولية لها ضوابط وتراخيص ..
هوامش:عبد القادر الجيلي أو الجيلاني أو
الكيلاني (470 هـ - 561 هـ)، هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبد الله، يعرف ويلقب
في التراث المغاربي بالشيخ بوعلام الجيلاني، وبالمشرق عبد القادر الجيلاني، ويعرف أيضا
ب"سلطان الأولياء"، وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي، لقبه أتباعه بـ"باز
الله الأشهب" و"تاج العارفين" و"محيي الدين" و"قطب بغداد".
وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية.