بقلم الأستاذ حميد طولست
إن تعدد أنماط وسلوكات بني البشر، وتفاوت
ميولاتهم وعاداتهم واتجاهاتهم وقيمهم، هو المحرك لدينامية الجماعة التي يعيشون فيها،
والفاعل الأساس الذي يجعلها تنبض بالتفاعل والحيوية اللازمة لنموها ونمو الفرد داخلها
في نفس الوقت. إلا أنه، وبغض النظر عن طبيعة تلك الدينامية وتفاعلاتها، تقدمية كانت
أو رجعية، وكونها تحمل مشروعا سياسيا أو بديلا مجتمعيا متكاملا للحالة القائمة، أو
لا تحمل أي شيء من ذلك، فهي تكاد تكون متشابهة في كل زمان ومكان، بما تنتجه من تقبل
وتجاوب ومودة وصداقات أو تجاهل ونبذ واستنكار ونفور وكراهية، تفضي تفاعلاتها - لدى
غالبية أفراد تلك الجماعات التي ليس لها القدرة على التريث والصبر وانتظار نضج البديل
المتكامل- إلى مختلف أشكال الرفض التلقائي الذي سرعان ما يتحول إلى أنواع من الاحتجاجات
البسيطة التي تتطور بدورها إلى شكل من التمرد الذي تصل فيه دينامكية المواجهة بين القوى
المتصارعة إلى ذروتها، والتي لا تملك معها الأطراف المتصارعة، مكابيح التراجع، ولا
تستطيع، بالتالي، التحكم في صيرورتها وطبيعة ما يمكن أن تنتج عنها من الأزمات السياسية
غير المتساوية ولا متماثلة في جميع أبعادها، والتي ليست بالضرورة، وليدة ظروف وشروط
متطابقة فيما بينها، وذلك بالرغم على أن معظمها، ينتج في الكثير والغالب، عن تحول في
الذهنية، وتغير في الكثير من المفاهيم، ونضج أو قلة النضج في العديد من الخبرات المتراكمة
واكتمالها في كل المجالات، وعلى رأسها المجال السياسي المبني على صراعات المصالح الملموسة،
الاجتماعية منها والسياسية والاقتصادية.
وما الأحداث التي عاشها حزب الاستقلال في
الآونة الخيرة خلال مؤتمره السابع عشر، كمحطة مصيرية بالنسبة لحياة الحزب ومستقبله
السياسي، إلا خير مثال على ذلك، حيث عرف تمرد أحد قيادييه المتميزين والذي طغى اسمه
على باقي الأعلام والشعارات التي تُدولت في جنبات المركب الذي حوى أشغال المؤتمر، وخارجه
وفي الصحافة بكل أنواعها وتوجهاتها، فكان بحق الاسم الأكثر رواجا في المؤتمر الذي انعقد
بالرباط، والأبرز في تحديد معالم الأمانة العامة الجديدة للحزب؛ ذاك الاسم الرنان ،
هو ولد الرشيد الذي كان وراء إعادة الحزب لآل الفاسي، ضدا في حميد شباط، وأتباعه المنحدرين
جميعهم من مدينة فاس .
فهل ما حدث لأقدم وأعرق حزب في المغرب،
هو تمرد على واقع سائد، يراد تغييره، أم هو ثورة على ممارسات تراتبت على سير الحزب
وتقاليده سنين عجافا للقطع معها بصورة جذرية؟ - لأنها كانت وراء ما عرفه الحزب من سيل
عارم من المغادرين الذين رغبوا في أن يكون لهم كيانهم المستقل داخل الحزب، فلم يجدوا
إلا الجفاء والرفض مقابلا لأدوارهم الإيجابية لأنهم ليسوا بقوة وحظ شباط-، أم هو مجرد
صراع عادي على السلطة والمناصب والامتيازات والدفاع عن المنافع الآنية الشخصية والحزبية
والفئوية، والتي كانت مند الأزل محور الخلافات التاريخية بين بني البشر في كل بقاع
الدنيا، ولم تكن قط بدافع الإيمان وشهادة أن لا اله إلا الله والصحابة العدول، كما
يقولون؟.