مراد بنيف بقلم
احتفل الناس بعامهم الراحل، منهم من حمد
الله في يوم مفقود، ومنهم من شرب القناني في يوم مشهود، ومنهم من أنكر اليوم الموعود،
ركام القمامة يشتكى من كثرة قناني الحكول الملقاة بجانب الطرقات قرب المساجد، اشتعل
الإرهاب مع الفساد اشتعالاً، ولم تشهد الأمة العربية عاما كالذي انقضى، اختلت الموازين،
.وانحرفت المسالك، وإذا الدنيا لا حزينة ولا فرحة، تبكي آهات، نرى ونسمع نشرات الأخبار
تقربنا من ركام العالم وحطامه، لا امبراطور سعيد، كسل ثقيل يشد انتباهي، أمهات خيم
الحزن عالمهن على هذه الحياة، تقول أمٌّ ماذا جرى؟، بعينان تائهتان، لا تقولان الحقيقة،
تكادان تضحكان فتدمعان.. ثم تلتفتان وتقولانِ ابني.. صحيح مات دون علَّة، صغيرٌ كنت
أرتجي طول عمرهِ، فدخل جسده ظلمات القبرِ.. وتقول أخرى .. ابنتي، صغيرة عصفورة في أوج
مشمشها شاخت فجأةً، و دون أن أدري السبب، وجدتها في خفية رفقة من لا يخشى بها الركض
في سرعة الطرقاتِ، وتقول أخرى فالأخرى، زيَّنت ابنتي لتلقى عريسها وقد قُبضت روحها
في ليلة العرِسِ، وتقول أخرى، الضجر صفةٌ من صفاتِ البشر، في أيام مداولة بين الناس،
لا فرح يدوم ولا حزن كذلك، الناس يتبادلون الأماكن والمقاعد، أغنياء ينقلبون فقراء،
و فقراء يصبحون أغنياء، ومعهم القضاة النزهاء إلى طغاة، والحوادث لا تنقضي، بأبشع و
أغرب الصور على حرب في الطرقات، تقول أم ُّ أيضا، كيف سنغسّل الموتى؟
يا دنيا تمهلي، سيري ببطئ، نحبك ما استطعنا
إليك سبيلا، ما لنا نرى فيك الألم يعانق الأمل، بهدف واحد.. أن نكون، نسج فيك الناس
أحلاما، ولم يسألوا، ماذا وراء والموت، شغلهم فقط، ماذا يفعلون قبل الموت، ومنهم من
اقتبس كلام الفيلسوف ونسج وهما ثم قال.. نموت ولن نكون..
سيري ببطئ يا دنيا، لنرى فيك الحياة، ونرى
كيف استحل فيك الملوك والوزراء أموال اليتامى والفقراء، لا فقرٌ ولا غناَ هي الكلمات،
في عمر سريع، في أقصى ما يمكن أن يكون من الهدوء، يضحك كالغبي.. ما أجهلك، كم منك من
أصبح وأمسى ضاحكا، وقد نُسجت أكفانه وهو لا يدري، لا أرض فوق الأرض حملته، فهاجر، وهاجروا,,
وهاجر القلب الصدئ معه ومعهم، فلا الدنيا التي كانوا قبل رحيلهم يجمعوها أخذوها، ولا
الزمان الدائري، ولا الوقت الجميل قبل الرحيلُ أمسكوه في غفلةٍ قبل أن يزولُ، ولم يأخذوا
إلا ما فعلوا، وما كانوا يقولوُا..
نافذة هي الحياة، نطل منها اطلالة السجناء
لهفة إلا التحرر والبقاء، وإذا بالصورة تجتمع، توشك أن تكتمل، وإذا بالكلام يوشِك أن
يقول كلامه، هنا عند مفترق الطرقات، نربي الأمل، في لا مجال المجال، بين الصحراء والبحرِ
الطويل، قبل أن ينكسر الزمن، وإذا بالرحيلُ، لا بد من نهج إذا وزادٍ قبل أن نزولُ،
ربما ندركُ المجهول فينا..حقيقتنا ومصيرنا، ثم نقول بعدها لا، لا بد لنا ولا مفر، من
اخلاص وصفاء يغنينا، وعبادة وعملا ينجينا، وسنرى كيف ندري خبث مكرنا وخداعنا في معاملات
بعضنا وأنفسنا، ونعرف نصيبنا وأرزاقنا كيف تتعقبنا لا مفرُّ، فقط عندها، لعل قلوبنا
عن بعضها بعضُ تتنقى لعلَّ، ونبني حضارةً، يرجعُ فيها من سَلبوا ما أسلبوا إلى من سُلبوا،
وتهدأ الأحوال تماماً ..