adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/12/03 - 10:07 م



بقلم الأستاذ حميد طولست



إذا كان المغرب بلد فقير ومديونيته مهولة، ويطلب الصدقات و"الكريديات" من القريب والبعيد، فإن تبديد "جوج فرانك للي عندو" و"للي ما تشتري خضرة و لا تعمر قدرة" كما يقال في المثل الشعبي المغربي ، على "تفرشيخ" المسؤولين بكل أنواعهم حكوميين وغير حكوميين ، وهدر تلك الفرنكات" على اقتناء آخر موديلات السيارات وأغلاها، و"تفرتيكها" على جديد صيحات الهواتف المحمولة، المدفوعة الاشتراك مسبقا، فذاك في تقاليد البلدان الديمقراطية العريقة ، وفي عرف أشراف البلد ووطنييه المخلصين ، هو الإسراف الذي نهى عنه ديننا الحنيف ، أما صرف مليار و400 مليون على تجديد مراحيض هي في حالة أكثر من جيدة ولا تقل عن تلك الموجودة في فنادق الخمسة نجوم ، "ليتفطح" فيها بعض من كان يقضي إلى الأمس حاجته ف يالخلاء ويمس بالحجر ، فذاك ما يعد عمالة وخيانة عظمى ، وكيدا جبانا لهذا الشعب البائس، الذى تزايدت أعداد فقرائه، وتدنت قدرات معشيتهم أمام الغلاء المتضاعف بشكل مريب.
فلا يعقل والحالة هذه، أن تكون هناك جهات لا تخضع ميزانياتها وإنفاقها للرقابة الشعبية، وتبقى خارج مساءلة وتدقيق المؤسسات الدستورية المحاربة للفساد -المجلس الأعلى للحسابات واللجان البرلمانية وغيرها من مفتشيات للمالية العامة الموجودة في مختلف الوزارات التي تحيل تقاريرها على القضاء- حتى لا يتمكن كل من كلف بحراسة صندوق للمال العام من التصرف فيه على هواه ، وكأن المال ماله الشخصي ، وليس مال الشعب.
فإخضاع مجمل الإنفاق المؤسسات للرقابة وإلزام جميع مستخدمي المال العام، بميزانيات مهدَّفة ضمن خطة تنمية متكاملة، أصبح أمرا محتوما لا تحيد عنه أي حكومة تفشل سنويا في تغطية عجزها دون اقتراض، بسبب الذين تخصصوا في معرفة "من أين تؤكل الكتف" بفضل مواهبهم الخفية، وقدراتهم الخرافية، على ابتكار الوسائل الجهنمية وخلق الأساليب الشيطانية لتحقيق المكاسب المادية، رغم أن أكثريتهم ممن هم بلا علم ولا كفاءة، ولا جهد ولا دراية، وهم كثر في كل أسلاك الدولة ومؤسساتها، وكل المصالح الحكومية والمجالس المنتخبة والمنظمات السياسية والنقابية وحتى في المرافق الاجتماعية ، وجلهم من الذين لم يحصلوا على خبرة نادرة، ولم ينالوا مؤهلات عالية، ولم يؤتوا مالا ولا ورثوا ثروة عن آبائهم ولا من دويهم، ولم يفوزا بيانصيب ولا بسباق خيول، لكنهم تحولوا الي ضوارى تخوض صراعات مميتة لفرض احتياجاتهم على ميزانية الدولة، ليرفلوا في رغد من العيش ويتمرغوا في بحبوحته، وينعموا بالثراء وامتيازاته، باستغلال نفوذ الوظيفة والمنصب، بلا شعور بالمسئولية تجاه وطنهم وترشيد إنفاقهم المبالغ فيه، الذي لا يعنيهم تأثيره على كل الخدمات الاجتماعية وعلى جميع المستويات الصحة و التعليم، -الذي قررت الحكومة بالتخلي عليه- التي تدنت إلى مستوى أقل من الإنساني والمتعارف عليه في أفقر المجتمعات، بدأً من توفير الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، ومد الطرق المعبدة، وبناء المدارس الكافية، وإنشاء المستشفيات المجهزة، والمدن النظيفة من كافة الملوثات التي لها التأثير البالغ على البسطاء من المواطنين عامة، وعلى طبقة الموظفين المتوسطين "المتشبطين" بقوة بحافة الطبقة الوسطى، في خوف شديد من الانحدار إلى زمرة الملايين التي تعيش تحت كل خطوط الفقر والاحتياج الذي ليس قدرا محتوما، بقدر ما هي نتيجة حتمية لعدم محاسبة من تورطوا في إنفاقهم البذخ على كل ما يؤمن كراسيهم وراحتهم وولاء عصاباتهم لهم.. إلى جانب بخلهم الشديد والمزمن، على كل ما يحتاجه المواطن من خدمات تنمي قدراته الشرائية، وتؤمن مستقبله ضد البطالة والعجز والمرض والشيخوخة وباقي مآسي الحياة المفتعلة، لأن تطوير حياة الشعوب تحتاج لخبراء متخصصين يعشقون بلدانهم ، ويرجون الخير والازدهار لأهلها ، ويحسنون التخطيط وإدارة ميزانياتها المنكوبة والمتراكمة العجز والمديونية ، وليس إلى التهدج والابتهال والاستسلام للقدر،  أو للعفو على المتلاعبين بمقدرات الشعوب، فهل سيجد أمر المال السايب وطرق إنفاقه وصرفه على فنطزيات الوجاهة والتفرشيخ الذي لا يأتي من ورائها فوائد مجتمعية، الرقيب "الفايق" و المحاسب "العايق" الذي قلبه على أموال الشعب.