adsense

/www.alqalamlhor.com

2016/07/12 - 7:40 م




بقلم الأستاذ حميد طولست
رغم  إختلاف الروايات حول أصل الشيشة "الأرجيلة" وتضاربها بين الأصل العربي و الهندي ، فإن تدخينها يعد أمرا عاديا لدى المصريين ، وفعلا مألوفا ضمن حياتهم اليومية ، لا فرق عندهم في ذلك بين الرجال والنساء ، الشيب والشباب ، وهي عادة قديمة ضاربة بجذورها في تاريخهم العريق ، وقد ارتبط تعاطيها بفئات المجتمع الدنيا ، من مترتادي المقاهي الشعبية من الحرفيين والعاطلين والمنفلتين اجتماعيا ، الذين كانت بالنسبة لهم بمثابة  "أداة مزاج وتسلية" يستهلكونها في الزوايا الصغيرة التي كان يتجمع فيها بعض الخارجين على القانون ، الأمر الذي أكسبها أنذاك صورة سلبية ، جعلت منها سلوكا غير مرغوب ، وظلت عالقة في أذهان غالبية المصريين بمختلف طبقاتهم ، إلى بداية القرن العشرين حيث تبددت الصور الذهنية المشينة ومل مسببات انحصارها ، وعاودت الديوع والإنتشار بمساهمة الانفتاح الاقتصادي ،  وتغول الثقافة الاستهلاكية ، اللذان انتشلاها في النصف الثاني من السبعينات من انحصارها المفرض اجتماعيا ، فاسحة المجال لإنتشار تدخينها على نطاق واسع وبين كل الطبقات الاجتماعية ، إلى درجة أنها إكتسحت بيوت المصريين، حيث كانت الزوجات يعددنها ، ويشاركن أزوجهن في بعض الأنفاس كدليل على المودة بينهم ، وزيادة في الاستمتاع بالجو الأسري ، وبمبررات أخرى مختلفة ، ما بين التعود عليها ، وتفريغ الهموم ، و البحث بشكل لا شعوري عن أساليب للتسلية لقتل وقت الفراغ ، وغيرها من المدخلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداعمة لمناخ تعاطي الشيشة ، كارتفاع البطالة ، وتحسن أوضاع الطبقة الوسطى إقتصاديا ، وتمدن الريف المصري بعد عودة العاملين في الخليج ، الذين كانوا وراء زيادة مشروعات مقاهي الشيشة العصرية " الكوفي شوب" التي شهدت توسعا غير مسبوق ،  والتي أقامها في نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات أبناء الطبقة الوسطى القادمين من الخليج الذي سافروا إليه في وقت الفورة النفطية ، على اعتبار أنها مرتفعة العوائد وقليلة الجهد ، والتي لا يكاد تخلو منها حارة أو شارع ، لتواؤمها مع غنى وعصرنة النزعة الاستهلاكية المتزايدة لدى أبناء الفئات الميسورة الذين يرغبون في أجواء تجمع ما بين الحداثة الغربية  والتقليدية الشرقية ، البعيد عن تلك المقاهي التقليدية التي تقدم الشيشة والمشروبات البسيطة بأسعار غير مرتفعة ..
واللافت كذلك في أمر الشيشة في مصر ، هو أنها ليست مجرد أداة للتدخين أو وسيلة لقتل الوقت أو "تظيبط المزاج"، كما يقول المصريون ، بل تحولت إلى رمز وطني، وصارت معلمة سياحية يتهافت عليها السياح ، وصناعة رائجة تنتشر ورشاتها في مناطق الحسين والجمالية والعتبة بوسط القاهرة ، ويتم تصديرها إلى دول الخليج ولا سيما قطر والإمارات والبحرين، وإلى دول أوروبية مثل النمسا وألمانيا وهولندا وبريطانيا، بالإضافة إلى دول شرق أسيا مثل ماليزيا ، ما يذر على مصر عملة صعبة ويوفر مناصب شغل عديدة .