adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/10/08 - 8:40 ص


بقلم الأستاذ حميد طولست

بقلم الأستاذ حميد طولست

كل من ولج فصلا من فصول مدرسة تعليمية ، ولو لفترة وجيزة في حياته ، لاشك يحتفظ في أعماقه بذكريات قوية كانت أو ضبابية ، تطفو على السطح كلما حل موعد الدخول المدرسي ، كما هو حالي مع كل دخول مدرسي ، حيث تتبادر إلى ذهني ذكريات من أيامي الأولى في المدرسة ، تمر أمام عيني بحلوها ومرها ، وتتقاطع وتتلاحق صور أول مدرسة عمومية ولجتها في ستينات القرن الماضي بحي فاس الجديد بفصولها وساحاتها وتلامذتها ومعلميها ، الذين أحببت الكثير منهم ، وانبهرت بالعديد منهم ، ونفرت من البعض الآخر ، خلال تلك الأيام الحلوة بشخوصها من زملاء الفصول ، الذين تحولت زمالة بعضهم إلى رفقة وخلقت صداقات ، تعدت في بعضها أوقات الدراسة ، لتصبح علاقات وطيدة خارج أسوار المدرسة ، ومن بين الذكريات التي لا أنساها أبداً وبقيت مرتبطة وجدانيا بالذهنتي الطفولية ، ولا تفارق ذاكرتي التلميذية  مهما تقدم بها العمر وتباعدت المواعيد ، تلك الشخصية الفذة ، صاحبة الرسالة الإنسانية النبيلة ، رمز البدل والعطاء ، وعنوان نشر العلم والمعرفة ، وبناء الأنفس وإنشاء العقول ، وأداة تخليص الإنسانية من ظلمات الجهل والأمية ، تلك الشخصية التي طالما رددنا في حقها مع أمير الشعراء أحمد شوقي قوله الشهير:
  قم للمعلم وفيه التبجيل :::::::: كاد المعلم أن يكون رسولا .
لقد مضت سنوات طويلة دون أن أنسى الكثير من المعلمين الذين تتلمذت على أيديهم في الصفوف الابتدائية الأولى "بمدرسة درب الزاوية ذكور ، الذين كانوا لي ولبقية أترابي  خير قدوة ومثال في الإخلاص وتحمّل المسؤولية وحب الوطن والوطنية ، الذين لازالت صور بعضهم ماثلة بشموخ في ذاكرتي ، لا تغيب لحظة ، وعلى الخصوص منهم معلمي "مسيو السوسي " كما كنت أسمعهم ينادونه ، ذاك المعلم القوي الشخصية الذي علمني مبادئ الحساب واللغة الفرنسية وقواعدها الأولية ، والذي كنت وزملائي نهابه ونحترمه في نفس الآن ، لكفاءته وطيبوبته إلى جانب وسامته وأناقته ، التي طبعت نفوسنا ببصمته الخاصة ،  والتي اعتقد اعتقادا راسخا ، أنها كانت وراء محبتي للأناقة ولمهنة التعليم ، والسبب الرئيس في اختياري لها كمهنة دون سواها من الوظائف التي كانت متوافرة بكثرة في ذاك الزمان ، تلك الشخصية التي يحتفظ لها جميع التلاميذ ، باعتراف وجميل خاصين ، على عواطفه الجياشة ، وتَميُزَه في طريقة تعامله الخاص ، الذي استطاع به  تحويل ما كان يصادفنا من معوقات إلى محفزات تفتح المجال رحبا أمامنا  ، وتدفع بالمتعثر منا– وما أكثرهم بيننا أنذاك- لتوظيف إمكاناتهن وقدراتهم في التعلم ، واستكشاف المعلومة واستيعابها ، حسب قواعد تعليم علمي متطور، مكن الكثيرين منا من التفوق وولوج مستويات تعليمية عليا و الالتحاق بسهولة بعالم الشغل .. ما زاد من احترامنا له وتقديرنا لمكانته.
كم أنا ممتن للمنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم "اليونيسكو" التي أقرت يوما للاحتفاء بمعلمي العالم المخلصين ، حتى أتمكن من الاحتفال بمعلمي العظيم "مسيو السوسي" وكل من يستحق التكريم والتبجيل من المعلمين .
فإليك يا معلمي مني تحية زكية في عيدك ، وهنيئا لك على تأدية رسالتك الإنسانية الوطنية على أحسن وجه ، ولك كل التبجيل والإكبار ، ليس في يوم المعلم العالمي فقط ، بل في كل آن وحين إلى يوم الدين.