حينما تولت وزيرة الصحة السابقة ياسمينة بدو مهامها وعند زيارتها لمصلحة الولادة بالمستشفى الجامعي بالدار البيضاء صرحت بأن النساء هناك يلدن كالبهائم. إنه استنتاج امرأة برجوازية لم تطأ قدماها قط مستشفى عمومي ولم تكن لديها أدنى فكرة حتى تلك اللحظة عما يجري على أرض الواقع. آنذاك صاحبت ضجة كبيرة تصريح الوزيرة، فالكل رفض تشبيهها نساء يضعن مواليدهن بالبهائم. إثر ذلك، قامت الوزيرة بتصريح مدو يتعلق بعزم إدارتها على تخفيض وفيات الأمهات من 220 لكل 100000 ولادة إلى 50 لكل 100000 ولادة. أي من 4 وفيات يوميا إلى وفاة واحدة يوميا.
تساءلت آنذاك عن طبيعة الإجراءات التي سيتخذها مستشارو الوزيرة، ممثلون في الأطر الطبية التابعة لحزب الاستقلال، كي يصلوا إلى هاته النتيجة الخيالية. فمعرفة السيدة الوزيرة، والتي هي محامية أصلا، ضئيلة في مجال التوليد، وهي أشد ضآلة في مجال الصحة العمومية. مرت أربع سنوات على تصريح الوزيرة، تخللتها هبات أممية وقروض لتجهيز المستشفيات وأزمة مع طبيبات رفضن الالتحاق بمقرات تعيينهن النائية، لأنهن اعتبرن ذلك إجحافا في حقهن. والسبب وراء ذلك يرجع إلى أن غيرهن من الطبيبات صاحبات الوساطات كن يستفدن من تعيينات قريبة على محور –الدار البيضاء- الرباط
إثر ذلك ، قامت الوزارة بتزويد المستشفيات بمستلزمات شخصية للولادة ذات استعمال وحيد، وأجهزة فحص بالصدى وقننت مجانية الولادة، وهو الأمر الذي كان موجودا أصلا بالنسبة للفقراء، كما مددت فترة المراقبة الاستشفائية التي تلي الولادة إلى 48 ساعة. غير أن تلك الإجراءات لم تكن كافية للوصول إلى النتائج الطموحة المخطط لها. وبعد ذلك بأربع سنوات، سنفاجأ ببحث إحصائي يثبت تحسنا بنسبة 50% فيما يخص عدد الوفيات في صفوف الأمهات. وخلال نقاش مع أطباء أساتذة شباب، أخبرني هؤلاء بأنهم قاموا باجتماع لمدة ساعتين في الرباط فقط من أجل مناقشة طريقة الإحصاء التي طبقت. ففي حقيقة الأمر، أصبحت النساء المغربيات يضعن فقط 2.19 مولودا للمرأة الواحدة. وفي الواقع، فإن الرقم الحقيقي لم يكن ليتعدى 1.8، وهو الأمر الذي سيشكل كارثة بالنسبة لتجديد الساكنة. لقد كانت المرأة المغربية في مرحلة سابقة متعددة المواليد ، ثم أصبحت بعد ذلك تنجب عددا محدودا من الأطفال. هذا هو واقع الحال.
إن الحملات الإعلامية الجوفاء والتحسينات الإحصائية الزائفة لا يمكنها أن تستر واقع الولادات الأليم في المغرب. فالنساء في المغرب لا تتم مرافقتهن وعلاجهن إلا عبر الأرقام. أما حقيقة الولادات في المغرب فهي كارثية. لقد أدت سياسة إهمال النساء في حالة ولادة، مع ادعاء العمل من أجل مصلحتهن، أي سياسة الضحك على الذقون، بنساء المناطق الحضرية إلى إنجاب أقل عدد ممكن من الأطفال، أما نساء العالم القروي فقد فقدن ثقتهن بنظام صحي أعرج، وبالتالي فإنهن يواصلن كفاحهن ضد القدر عبر الولادة في بيوتهن. ونتيجة لذلك، فإن نسبة وفيات المواليد الجدد تظل جد مرتفعة.
حينما شاركت في يوم فحص طبي في الأطلس الكبير خلال شهر أبريل الماضي، صرحت أكثر من 80% من النساء اللواتي قمت بإجراء فحص بالصدى لهن بأنهن قد فقدن طفلا أو طفلين على الأقل. لقد وعدنا هؤلاء النسوة بتتبع ذي جودة عالية لحالاتهن، وربما إمكانية الولادة في مستشفى الولادة القريب من تحناوت. لكنا في الواقع، لا نستطيع ذلك الآن بسبب القرارات المضادة لمصالح الساكنة، والتي اتخذتها السلطات الإدارية والصحية في هذه المنطقة المعزولة، بمنع جمعية فعالة من العمل، وبالانغلاق أمام كل مبادرة إنقاذية.
وفي الواقع، فإن نائب وزارة الصحة بالمنطقة قد رفض مقترحنا بإيجاد فرقة متطوعة تعمل على تأمين خدمات حراسة بالمستشفى المحلي، لتجنيب الناس مشقة انتظار الطوابير الطويلة في المستشفى الجامعي بمراكش.
لقد كان من الحري نشر تلك الصور، التي التقطها أطباء غاضبون لنساء يضعن مواليدهن أرضا و أدوات طبية في حالة مزرية، منذ زمن بعيد. إن غضبهم، الذي جاء كرد فعل على وزير يريد تحميلهم مسؤولية الخلل الذي يشكو منه قطاع الصحة، يعتبر مؤشرا صحيا. إلا أن هذا الغضب يصبح باهتا أمام المواطنين الذين فقدوا ثقتهم في النظام الصحي برمته.
حينما تضع النساء مواليدهن أرضا أو حينما توضع النساء على الأرضية الباردة بعد الولادة نظرا لنقص الأسرة، فإن ذلك يحدث نظرا لخلل كبير في السياسة الخاصة بالصحة الإنجابية ببلادنا. ويتحمل الوزراء سواء السابقون منهم أو الحاليون، وإداراتهم أيضا قسطا كبيرا من المسؤولية في هذا الإطار.
وحسب تحرياتي ومعلوماتي الشخصية، فإن المستشفيات الإقليمية الواقعة في محيط المدن الكبرى تتوقف عن العمل ابتداء من الساعة الرابعة بعد الزوال، ويسري الأمر كذلك على المراكز الصحية. وينتج عن ذلك تحويل كافة المستعجلات، ومعها حالات الولادة المستعجلة إلى المستشفيات الجهوية، وغالبا ما تتحمل أسر المرضى مصاريف التنقل. وعند الوصول إلى المستشفى، تبدأ حكاية أخرى. فمهما بلغت درجة تضحية طبيب الحراسة والمولدتين اللتين ترافقانه، فإن المرء يصل إلى درجة قصوى من التعب حينما يقومون بتوليد ثلاثين وأحيانا أربعين امرأة في ظروف مزرية في مدة زمنية لا تتعدى 24 ساعة.
من أجل أن تستعيد النساء ثقتهن في نظام الرعاية الصحية العمومية، يتوجب علينا التفكير في الجوانب اللوجيستيكية (النقل والمواصلات) وإدماج الجمعيات المحلية في برنامج طويل المدى، وليس فقط عبر قوافل طبية، لا استمرارية لها، تستنزف مواردنا الضعيفة. يتوجب كذلك العمل على تشغيل المستشفيات المجاورة للمدن عبر تشجيع الأطباء على الذهاب إليها لتأمين خدمات حراسة يجب أن تصبح مؤدى عنها.
فعبر هذا فقط، سيصبح من الممكن تخفيف الضغط على المستشفيات الجهوية. إذ ستُستهلك الأدوات الطبية على نحو أقل، وسيشتغل الأطباء في ظروف أفضل، مما سيرضي المرضى وذويهم. ذاك هو ثمن السلم الاجتماعي...
*رئيس جمعية أطباء المغرب، باريس رئيس سابق للمصحة الجامعية في باريس VII، وهو عضو في منظمة أطباء بلا حدود.
الكاتب العام لجمعية طب النساء بلا حدود