adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/05/03 - 10:11 م


في دراسة قامت بها المندوبية السامية للتخطيط،  و هي مؤسسة عمومية مستقلة عن الحكومة، حول موضوع العيش الكريم؛ فتبين من خلالها أن ما يقارب نصف المغاربة غير راضين عن حياتهم. فنسبة 46%  التي عبرت عن عدم الرضا أوعزت الأسباب إلى السكن بالدرجة الأولى ثم الخدمات الصحية و التعليم مرورا بالعمل و الحياة الأسرية و الترفيهية.
    دلالة هذه النسبة تضع القيمين من مسؤولين و سياسيين و استراتجيين... على شأن المغاربة أمام حقيقة الفرد في تفاعله مع وطنه ومؤسسات بلده التي من المفروض أن تعمل في اتجاه إرضاء هذه النسبة من المغاربة تبعا لدراسة المندوبية. فحينما يصل الفرد إلى عدم الرضا بالعيش الكريم داخل وطنه فحتما يتولد لديه شعور بالانتساب جغرافيا فقط للوطن و ليس حب هذا الوطن و التالي فقدان الثقة في مؤسساته ثم بعدم الرضا عن القيمين على تدبير شأنه من خلالها. و هذا الإحساس قد يفضي إلى شئ خطير في عمق مكنونات هذا الإنسان و هو عدم الرضا عن الوجود و بالتالي عن الحياة الشئ الذي قد يدفعه إلى البحث عن بدائل سواء بطريقة سلبية أو إيجابية كالمغامرة في الهجرة السرية و ما يترتب عليها من نتائج عكسية أو الارتماء في أحضان جماعة متطرفة ...
     من يحاول أن يقارب حدود "العيش الكريم" عند المغاربة سيجد نفسه غير مقتنع تماما بتلك المؤشرات التي اعتمدتها مندوبية التخطيط في دراستها، فالاقتناع بالعيش الكريم من عدمه يختلف من شخص إلى آخر تبعا لنظرته و تصوره و فلسفته لـ " العيش الكريم". فهناك من يجد نفسه ممزقا بين ذاته كواقع فعلي و بين حنين لماض جميل مؤثث بتعليم جيد و قيم و عادات و استقرار نفسي و اجتماعي... و بين من يفتخر بالانتهازية و الوصولية و التكلم بفرنسية مشوهة، و التباهي بقيم و عادات غريبة عن أصله و فصله... فكيف يرضى عن حياته في بيئة قد لا تلائم تكوينه و لا تتناغم مع ذاته؟!  كيف للرضى أن يتسلل إلى ذات ترى أميا وجاهلا يرشح نفسه للانتخابات رغما عن أنف المتعلمين و "ينصب" أو "ينتصب" رئيسا لتدبير شان العموم؟! من منا يرضى أن تقام مهرجانات مكلفة تؤثث بفن غنائي مستورد و غريب عن فننا و ثقافتنا و تراهم ينجذبون و يتزاحمون إلى ساحاتها علهم يحضون بالنظرة إلى الطلعة البهية لفنان أو فنانة لا يفهمون معنى كلمات وعبارات أغانيه(ها). كيف لك أن ترى أثر العيش الكريم على محيا من يقف أمام طوابير السفارات رغبة في البحث عن و طن بديل؟  و متى كان الرضا عن الحياة لشباب في عمر الزهور يفضل غربة قاسية و حياته في كف عفريت على قارب الموت؟ و مع ذلك، تراه مشدودا لجنة الأوهام التي يتصورها في الضفة المقابلة لوطنه الذي من المفروض أن يحتضنه  على الأقل. عدم الرضا قد تراه في شباب يسعى إلى الهجرة للالتحاق بـ "المجاهدين" رغبة في رضا عن عيش مفترض و بديل لعيش ليس بالكريم. أكيد أن من يكنس الشوارع و هو حامل لشواهد عليا غير راض عن عيشه بكرامة بل و حتى على و جوده. ومتى كان الرضا، كذلك، يجد طريقه لفتاة و فتى أحبا بعضهما سنوات فقررا إنهاء علاقتهما نظرا لانعدام أساسيات عيشهما كرماء مع بعضهما كسقف يجمعهما، فتاه كل واحد منهما بطريقته للبحث عن العيش الكريم.
   عدم الرضا يزحف خلسة أو علانية حتى إلى بيئة العمل الذي يظن الكثير أنه مدخل للعيش الكريم، فظروف العمل في المصحات و المستشفيات و المدارس ... يولد السخط و ليس عدم الرضا فقط، و بالتالي يتغيب الساخط و يتولد الاحتقان و ينخفض مستوى الطموح و تتوارى خدمة المرفق العمومي مما يؤدي إلى عدم الشعور بالعيش الكريم...
  الرضا عن الحياة مفهوم فلسفي كل و احد يتصوره و يراه انطلاقا من نظرته لوجوده، فكم من شخص نراه غير راض في وضع يحسد عليه، و كم من و احد يتوق لحياة بسيطة بسبب عدم رضاه عن حياة معقدة و صاخبة لكنه لم يعد يقدر أن يتخلص منها كالمدمن الذي يعرف مسبقا أن ما يدمن علية يضره لكن لا يقدر أن يفارقه. و كم من موظف يوجد في وضع مريح و يحلم بعمل بديل خارج وطنه و بالمقابل هناك من يئن تحت وطأة الغربة و يحن لمعانقة وطنه...
المصطفى منعــوت.