adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/04/05 - 8:37 م

مر الملف النووي الإيراني بمراحل متعددة قبل أن يصل إلى قضية تفاوض دولية و أممية؛ عمق زمنه يمتد إلى 5 مارس 1957 حينما قام الشاه بوضع الأساس لبرنامج إيران النووي، و في سنة 1967 تأسس "مركز طهران للبحوث النووية"  و توج بتشييد عدة محطات نووية بمساعدة الولايات المتحدة الأمريكية . و بعد الثورة الإسلامية سينقطع حبل الود مع الشركات و الدول الراعية للبرنامج النووي؛ و ظل يتراوح بين مد و جزر إلى أن أصبح من بين أولويات سياسة الطاقة في إيران و التي ظلت تتشبث في حقها بامتلاك الطاقة النووية، غير أن الدول العظمى كانت تعارض هذا البرنامج و لوحت أكثر من مرة باستخدام القوة بحجة أنه لا يسعى لأغراض سلمية و يهدف لإنتاج القنبلة النووية. و دخلت في مفاوضات ماراطونية سرية و علانية مع إيران في برنامجها النووي، هذه الأخيرة صمدت أكثر من 12 سنة مستخدمة كل أوراق القوة في التعاطي مع الدول العظمى و حافظت على قرارها المستقل إلى أن استطاعت انتزاع حقها في امتلاك الطاقة النووية مؤخرا في مدينة لوزان السويسرية. هذا الإنجاز التاريخي ما كان ليتحقق لولا وجود عدة عوامل مساعدة تتداخل مع بعضها. سنحاول، منهجيا، تفكيكها و نذكر أهمها:
   أولاالثورة الإسلامية. استطاعت هذه الثورة منذ 1979 أن تؤسس لمرحلة جديدة في مسار الحضارة الفارسية؛ إذ زاوجت بين المبادئ الإسلامية و بين مكتسبات الثقافة الذاتية الضاربة في عمق التاريخ الإيراني في إنشاء نظام سياسي و اقتصادي معتمدا على الخصوصية الثقافية والطموح و الاستقلالية.
  ثانيا: أثر الحرب العراقية ــ الإيرانية. مبدئيا، من يتمعن في تاريخ الدول التي خاضت حروبا سيجد دائما أن أزمة الحرب تنتهي بالتقدم و تمتين عجلة الاقتصاد و السياسة؛ فعلى سبيل المثال: المانيا دمرت عن آخرها خلال الحرب العالمية الثانية، و بعدها استطاعت أن تجد مكانها من بين القوى التي كانت متحالفة ضدها. أنظر إلى اليابان بعد حربه مع أمريكا كيف أصبح و كيف كان قبل ذلك. العراق الذي خاض هو الآخر نصيبه من و يلات الحرب مع الجارة إيران، كان قد شق طريقه نحو التقدم و الازدهار، و كاد أن يمتلك مفاعلا نوويا لولا المؤامرة و التواطؤ على تدميره من طرف الحلف الأمريكي و من يدور في فلكه من دول الخليج. 
   ثالثا: النتائج العكسية للتآمر ضد الثورة الإسلامية. فور نجاح الثورة الإسلامية داخل إيران سيتولد لذى الدول العربية الإسلامية هاجس الخوف من تصديرها ( نستدل هنا بمثال بما أقدمت عليه وزارة الأوقاف و الشؤون الإسلامية بالمغرب في ذلك الوقت على إغلاق المساجد بعد كل صلاة و بقي هذا الإجراء ساري المفعول إلى حد الساعة، بالإضافة إلى تكفير الخميني، الأب الروحي و منظر الثورة الإيرانية، من طرف الملك الراحل الحسن الثاني؛ هذا إلى جانب شن حملة على كل شخص يشتبه فيه حاملا لأفكار الخميني ...) هذا التحالف هو من كان يدعم بالمال و بالسياسة الحرب ضد إيران ( تم تقديم دعم مالي من دولة خليجية لصدام حسين بلغ 200 مليون دولار) طيلة ثماني سنوات ( 1980 ـ 1988 ). و بلا شك فإن هذا التحالف أشعر إيران الثورة بالعزلة كدولة إسلامية لكن غير عربية فكانت القناعة هو الاعتماد على المقومات الذاتية في بناء دولة قوية مستقلة في مستوى مواجهة التحديات الإقليمية و الدولية، و هذا ما تحقق مع مرور الوقت فعليا.
رابعا: خصائص العقل الإيراني. ما يميز العقل الإيراني هو بعد النظر و حسن التقدير للبث في القضايا المصيرية ( السادات لم يفاوض أكثر من أسبوعين في اتفاقيته مع إسرائيل، الفلسطينيون لم يصمدوا أكثر من أربعة أشهر في مفاوضات أسلو بينما إيران فاوضت أكثر من 12 سنة  في برنامجها النووي)، فضلا على أن هذا العقل ليس متحمسا أكثر من المطلوب و ليس عنتريا في مجابهة  التهديدات، بل يلاحظ عليه أنه لا ينجر نحو الاستفزازات و تسفيه و احتقار الآخر بل يستعمل أوراق القوة و يلوح بها سعيا لإيصال رسائل ملموسة و ليس شفوية.و هذا العقل كان لا يتوجس في و صف إسرائيل بالغدة السرطانية و أمريكا بالشيطان الأكبر. العقل الإيراني  عقل استراتيجي و متبصر : ففي غمار حربه مع العراق و على أكثر من جبهة و مستوى استطاع أن ينشئ و يدعم و يمول و يجهز مقاومة حزب الله اللبناني منذ 1982 و الذي بات و رقة رابحة و ضاغطة لإيران  في لبنان و ضد إسرائيل و في صراعه حول النفوذ الإقليمي ( لا حظ  ما يجري في سوريا ) . و ما كان يميز هذا العقل في عملية التفاوض هو الدهاء و كيفية استغلال و استثمار نقط القوة عنده و نقط الضعف عند الآخر و الحفاظ دائما على ذاتية القرار.
   خامسا: استراتيجية الاحتضان. حينما تعرض الشعب اللبناني في سنة 1982 لمذبحة صبرا و شتيلا من طرف إسرائيل، بادرت إيران إلى احتضان المقاومة اللبنانية ضد إسرائيل إلى أن أصبحت قوة إقليمية ترهب دولة إسرائيل أكثر من الدول العربية جميعها، و على أساس هذا الاحتضان تغيرت قواعد اللعبة و باتت إسرائيل تنبح اكثر مما تعض و تحسب ألف حساب قبل أن تقدم على أي تصرف غير محسوب. و في الوقت الذي تآمر فيه العرب على العراق و تخلوا عنه، كانت إيران تتسلل خلسة إلى عمقه و تحتضن أهله و سياسته إلى أن أصبح الآن في الحضن الفارسي أو الشيعي أو الصفوي كما يحلو للبعض أن يصف ذلك. نفس الأمر يمكن سحبه على سوريا ، فلولا الاحتضان الإيراني لكان نظام الأسد  في خبر كان منذ زمان، و لعل سبب ما يقع لسوريا الآن هو ارتماؤها في الحضن الإيراني و تبعيتها له؛ لكن، التجارب بينت أن إيران حينما تحتضن لا تتخلى، عكس أمريكا و إسرائيل اللتان لا تلتفتان لأصدقائهما إلا إذا كانت المصلحة هي العنوان الرئيسي. و في اليمن الآن، تبدو المفارقات جلية وواضحة، فالحلف الذي ينعت بالمعتدل وتتزعمه السعودية يلتجئ إلى التدمير و التهديد و الوعيد عوض الاحتواء السياسي و الاقتصادي،  في حين لاحظوا في المقابل، كيف تتصرف إيران: تنبه إلى خطورة ما يجري، تتكلم بلغة دبلوماسية، طلبت وساطة سلطنة عمان لإيقاف الغارات الجوية على اليمن... فهي ليست مستعجلة بل تخطط و تراقب و بالتالي تبني قراراتها و فق نتائج قرارات الآخرين و التي غالبا ما تكون غير موفقة. و في الوقت الذي أدار فيه العرب ظهرهم للقضية الفلسطينية ارتمت هذه الأخيرة في الحضن الإيراني بل لا أ جازف إذا قلت أن الجناح العسكري لحماس بات في إيران نظرا للدعم العسكري و غيره الذي و جده هناك دون مكان آخر. سياسة الاحتضان هدفها بالأساس تأثيث بيئة إقليمية تابعة لدولة تسعى لتكون شرطي المنطقة و بالتالي ضمان طوق أمني لمواجهة نظريات التآمر لضرب عمقها و استقرارها...
  سادسا: الحصار الاقتصادي. مكن الحصار الاقتصادي لإيران من الاعتماد على المقومات الذاتية و تنويعها بدل الاعتماد على مصدر واحد و وحيد الذي هو البترول، فرغم أن تخفيض البترول من طرف المملكة العربية السعودية لأجل ضرب اقتصاد إيران و روسيا إلا أن هذا التخفيض لم يغير بالملموس ما كان يتصوره مهندسو القرار. فإيران، بفعل الحصار، التجأت إلى تعبئة شعبها ليلتف و يتق في قيادته و بالتالي إدماج الكل في تطوير البلد، بحيث أن هذا التطور لامس جميع القطاعات : العسكرية، الاقتصادية، الفنية، الطبية...
   سابعا: التطور العسكري:   لكي تعمل إيران على ضمان استمرارية تطورها و تقدمها؛ أدركت منذ البداية أن أي تطور لابد أن يلازمه أو أن يسبقه ترسانة عسكرية ترهب العدو من التطاول و العدوان على منشآتها الاقتصادية و العمرانية و الثقافية ... و هذا ما كان لها. فدائما كنا نسمع بأن إسرائيل أو أمريكا ستشن هجوما أو حربا على إيران، و في المقابل كانت هذه الأخيرة ترد على تلك التهديدات بأساليبها الخاصة و منها المناورات العسكرية و التي غالبا ما كان يلازمها الإعلان عن الاختراعات في مجال الصناعة العسكرية: صاروخ كذا، طائرة كذا، زورق كذا، غواصة كذا، ... مما جعل العدو يعيد حساباته امام هذا التطور الذي أضحى يهدد المصالح الغربية في الشرق الأوسط . و بدل الحرب المباشرة، التجأ إلى "الحرب الناعمة" بتكريس و تعزيز النعرات الطائفية بين أهل السنة ــ المحور المعتدل ــ و بين الشيعة و في مقدمتهم إيران و حزب الله اللبناني و العلويون ( الأسد)؛ غير أن هذه السياسة انقلبت على مهندسيها و لكم دليل " داعش "   في العراق و سوريا و لبنان...
  كل هذه الأشياء و غيرها أوصلت إيران لأن تكون معتزة بذاتها و واثقة من نفسها لكي تفاوض دون الإذعان لشروط التبعية و استطاعت أن تظل طيلة المفاوضات عنيدة و مشاكسة  و ابراغماتية. و بذلك تكون قد طوت صفحة مهمة من صفحاتها النضالية و التي  ستقفز بها دون شك  إلى  النادي النووي العالمي، و ستتمكن كذلك ــ بعد رفع الحصار عنها و الذي كان من بين أهم شروط هذه المفاوضات ــ  إلى دولة إقليمية  يعتمد عليها  في إطار التعامل الند للند و ليس في إطار التبعية، أملا في  استقرار المنطقة و تأمين المصالح .
المصطفى منعـــوت