ككل مجال، فإن مجال
المخدرات كآفة اجتماعية و صحية تطورت تحت عدة عوامل؛ أهمها تفاعل الإنسان مع محيطه
الطبيعي و خاصة النباتي منه، فيتم الاهتداء بالصدفة على نبتة قد يكون لها مفعولا
ما على المزاج؛ أو عن طريق التفاعل أو المحاكاة بين الإنسان كفرد أو كجماعة. و لعل
أهم عامل هو تسخير وظيفتها في تحطيم القوة المعنوية الكامنة في نفس الفرد و من تم
الجماعة في الصراع و الحروب بين الدول، فالمخدرات لعبت دورا استراتيجيا في بعض
الحروب، إذ كان يلتجأ إليها كوسيلة في تعطيل الإرادة القوية و بث روح الوهن و
الارتخاء و الضعف الشئ الذي يسهل السيطرة على الأفراد و المجتمعات. و يحضرني هنا
مثال انتشار الحشيش في الدول التي غزاها التتار بقيادة جنكيزخان في القرن الثاني
عشر الميلادي و حرب الأفيون ضد الصين و ما تقوم به إسرائيل في صراعها مع
الفلسطينيين وحزب الله اللبناني مع إسرائيل في نفس الاتجاه… فالمخدرات، إذن، تلعب
دور العنصر الفيدرالي في عملية تخريب العقول و الأجساد لرصيد الأمة التي يتمثل في
شبابها الذي هو عنوان و ركيزة أمنها و تقدمها و تطورها.
و المخدرات أنواع كثيرة،
غير أنه يمكن تصنيفها حسب طبيعتها فمنها ما هو نباتي كالقنب الهندي " الكيف"
و مشتقاته كالشيرا او "الحشيش" و غيرها؛ و شجرة الكوكا التي يستخرج منها
الكوكايين ثم شجرة القات المتواجدة في إفريقيا الشرقية و شبه جزيرة العرب ... و
منها ماهو اصطناعي أو طبي كالمسكنات، المنشطات، المهدئات، مضادات الكآبة، و
المنومات ... و تصنف كذلك حسب نوعية استهلاكها فنجد ما يحقن و ما يبلع و ما يشم و
ما يمضغ و أخيرا ما يسمع كآخر صيحة المخدرات الرقمية كما سنرى. و هناك من المخدرات
التي تستعمل نظرا لسهولة الحصول عليها و ليس لها تبعات قانونية و غير مصنفة كمادة
مخدرة، كالسلسيون، و مادة الكحول، و شم الجوارب...
و المتعاطي لهذه المخدرات و
غيرها، بلا شك، سيجد نفسه مع مرور الوقت مدمنا عليها، وهي المرحلة القصوى التي
يتمكن فيها المخدر من ملازمة صاحبه و تنشأ بينهما ألفة ومحبة، و لن يستطيع فراقه
ليصير طالبا ــ المدمن ــ له بأي ثمن و في غالب الأحيان ينزلق إلى الاتجار فيه أو
ينحرف إلى الفعل الإجرامي لتفتح له أبواب الكسب غير المشروع تحت مسميات السرقة،
النهب، النشل، الخطف، سفك الدماء، القتل ...
و التعاطي لمخدر دون غيره
يعكس بالدرجة الأولى وضعية الفرد وانتمائه الاجتماعي: فأساليب التخدير عند
الفنانين و غيرهم من الطبقة الراقية ليس كما هو عند الطبقة المتوسطة و لا ذاته عند
الطبقات الفقيرة، فلكل له أسلوبه حسب مستواه: فمثلا، " سطرا" من "
غبرة مخدرة" قد يكلف مبلغا ماليا مهما بينما قنينة صغيرة من ماد الكحول
الخالص"Alcool" أو أنبوبة من مادة " السلسيون" قد تكون في متناول
أي كان يريد السفر إلى عالم خاص به من النشوة و "المتعة" الخيالية
المفترضة .
و المخدرات لم تبق في منأى
عن التقدم و التطور التكنولوجي و الرقمي الذي لامس مختلف مناحي الحياة، بل تجاوزت
أساليب التدخين و الشم و الحقن و المضغ لتتحول أخيرا إلى نظام رقمي إلكتروني و أضحت
تسمى "المخدرات الإلكترونية" و خلفية تقنيتها كانت تستخدم لعلاج الحالات
النفسية و خاصة المرضى المصابين بالاكتئاب و يرفضون العلاج بالأدوية. و تستند هذه
التقنية إلى بث ذبذبات صوتية عن طريق سماعة لكن بترددات متباينة في كل من الأذن
اليمنى و اليسرى ( أصوات معينة في الأذن اليمنى و نفس الأصوات بتردد أقل في الأذن
اليسرى) و يحاول الدماغ أن يوحد بين الترددين في إطار مستوى واحد لهما الشئ الذي
يترك الدماغ في حالة غير مستقرة على مستوى الإشارات الكهربائية التي يرسلها. و من
هنا يأتي نوع المخدر الرقمي المرغوب فيه و الذي قد يحاكي أثر المخدر الفعلي على
الفرد كالكوكايين أو المخدر الذي يحدث الهلوسة أو الاسترخاء أو التركيز و هكذا...
و مما لاشك فيه، أن شبابنا
بات عرضة لهذه المنتوجات الرقمية المروجة عبر مواقع على الانترنت بأسعار مناسبة ابتداء من 300 درهم إلى 3000
درهم؛ و غالبا ما تكون العينة الأولى التجريبية مجانية مما يدفع الكثير إلى
تجربتها و بالتالي الوقوع في فخ الإدمان.
و قد أثبتت بعض الدراسات و
كل الإجراءات الطبية و مما لا يدعو مجالا للشك خطورتها و تأثيرها على المخ و على
التفاعلات الكيميائية و الحالة العصبية و النفسية للمتعاطي يعادل بنسبة ما التأثير
الذي تحدثه المخدرات التقليدية. و من
المؤسف أن خلو هذا النوع من المخدرات من أي مواد كيميائية يشجع على التعاطي إليها
ظنا من الجميع أنها لا تؤثر سلبا على صحتهم.
و عليه، ندعو من هذا المنبر
توعية الأطفال و الشباب المراهق إلى عدم الاستماع إلى أي نوع من الملفات الصوتية
الغريبة حتى يتبينوا أنها ليست مخدرات، كما يجب مراقبة تواجدهم على الانترنت، و على المؤسسات الحكومية و المدنية كذلك أن
تلعب دورها في المراقبة و التوعية؛ بيد أن أهم شئ يجب القيام به هو تشديد الرقابة
على هذه المواقع و حجبها عن البلاد و العباد درءا للمخاطر التي قد تفتك بشبابنا
الذي هو رأسمال البلاد وعدة و عتاد الأمة في حاضرها و مستقبلها.
المصطفى
منعوت