هل الإنسان خير بطبعه أم شرير بطبعه؟ و هل هو مجبول على القتل؟ فبخلاف الحيوان، الإنسان كائن معقد تتقاطع في تشكيلته و تكوينه جملة من الأبعاد؛ غير أن مقاربة وظيفة القتل عند الإنسان يمكن مقارنتها بما هو عند الحيوان. فهذا الأخير يلتجأ إلى القتل لتحقيق أهداف محددة: يقتل لأجل القوت ، يقتل للدفاع عن مجاله الحيوي، يقتل بدافع الجنس و و ظيفة هذا القتل هو البقاء للأقوى و لللأصلح. فما هي و ظيفة القتل عند الإنسان؟ فبحسب علم النفس، القتل عند الإنسان غريزة، يقتل لكي يتلدد بإنجازات القتل؛ غير أن هذه الغريزة مضبوطة بقواعد تسمى روادع، و أهم هذه الروادع الوازع الديني.
لكن حينما يصبح الدين هو "مرجع القتل" هنا تسقط الروادع و يصبح كل شيء مباحا ( أنظر، جميع الحروب يوظف فيها الدين كعنوان مركزي لتبرير القتل ) و هذا ما يمكن سحبه على تنظيم داعش الذي يتفنن في أساليب القتل، فما هي حجته الدينية على فعل الحرق للطيار معاد الكساسبة حيا؟
استند "داعش" على مشروعية الحرق إلى فتوى ابن تيمية يقول فيها: "فأما إذا كان في التمثيل ( قتل الإنسان بطريقة بشعة أو التنكيل بجثته بعد موته...) الشائع دعاء لهم إلى الإيمان أو زجر لهم عن العدوان، فإنه هنا من إقامة الحدود و الجهاد المشروع". فهل هذه الفتوى تصمد امام النصوص القرآنية التي تدعو إلى "وجادلهم بالتي هي أحسن." و " لاإكراه في الدين" و " و لقد كرمنا بني آدم ( بغض النظر عن الدين و الجنس و اللون...) و حملناهم في البر و البحر و رزقناهم من الطيبات و فضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" و "ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"... و الأكيد أنه ما تبت عن الرسول (ص) و صحابته أنهم مارسوا عقوبة الحرق. و الأسير مكرم من الإسلام و مكفول له حق المعاملة الطيبة و الإنسانية و الإحترام على من يأسره. فكيف نستسيغ فعل الحرق باسم الإسلام حيث هناك مقولة معروفة في الإسلام "لايعذب بالنار إلا رب النار"
نعود إلى تبريرات داعش للقتل عن طريق الحرق؛ فتبعا لمبدأ القياس الذي استندوا إليه بحسبهم، أن الطيار أحرق الناس مستعملا طائرة مخصصة لهذا الغرض و سيعاقب بمثل ما كان يفعله. فهل كان ـ داعش ـ صائبا في هذا المبدأ ( القياس)؟
"داعش" لاتهمه ردود الأفعال، و لايبحث في حدود الصواب و الخطأ، و غير معني ببراهين و حجج " المرتدين و الخوارج". فبحسب التقارير التي تبحث في خصوصيات الفكر الداعشي، أن كل ما يهمه هو تكريس الصورة النمطية للرعب، الخوف و فوبيا " دولة الخلافة". فطبيعته هي عسكرية، أمنية، استخباراتية و إعلامية؛ فبخلاف ما ألفناه عند الجهاديين الذين كانوا يبحثون عن الأنصار و يوجهون ضرباتهم و سهامهم لأعداء محددين يعلنون عنهم؛ فداعش أصيب بجنون العظمة حينما تمكن لظروف ما من السيطرة على مجال واسع مستغلا خيراته و عائداته النفطية و عمل على تطبيق قناعاته على أهله بالقوة؛ و كل من خالفه أو خالف "شرع الله" فمصيره معروف بواحدة من: الإعدام بالأسلحة الرشاشة، قطع الرأس، الرمي من فوق السطح، الرجم ، بتر أحد الأطراف ... و في اعتقاده ــ الفكر الداعشي ــ أنه يمارس ما تمليه عليه العقيدة الإسلامية معتمدا في ذلك على مجموعة من المشايخ التي تصدر الفتوى. لكن، من وراء هؤلاء المشايخ؟
المصطفى منعوت