لاشك أنه كان من حسنات الإرهاب الذي ضرب عمق فرنسا و أطاح بكبرياء
مؤسساتها الأمنية ، أعاد إحياء علاقات التقارب بين البلدين على أكثر من مستوى. لم
يمر على حادث "شارل إيبدو" وقتا طويلا حتى هرولت كل من الديبلوماسية
الفرنسية و المغربية من تطويق الأزمة و تفعيل سبل التعاون، و توج هذا التحرك بلقاء
تاريخي جمع كل من وزير العدل المغربي السيد مصطفى رميد و السيدة وزيرة العدل
الفرنسية كريستيان توبرا تمخض عنه اتفاق يفضي إلى إعادة التعاون الأمني و القضائي
بشكل فوري و فق بيان مشترك؛ كما كان طريقا لزيارة العاهل المغربي محمد السادس إلى
فرنسا مساء الجمعة في إطار زيارة خاصة و التي يمكن أن تفضي إلى لقاء بينه و بين
الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند و الذي كان قد أبدى ، وفق تصريح له، انه مستعد
للقاء ملك المغرب. و في يوم الأحد فاتح فبراير
2015، و شحت الأميرة للامريم ، شقيقة الملك، في احتفال معهد العالم العربي و بحضور
رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس و عدد من الشخصيات الدينية و السياسية و
الثقافية أوسمة ملكية لثلاثة ممثلين للديانات الإسلامية و اليهودية و الكاثوليكية
في فرنسا. و حضر الاحتفال من الجانب المغربي كل من وزير الشؤون الإسلامية السيد
أحمد توفيق وسفير المغرب بفرنسا السيد شكيب بن موسى. توشيح الديانات السماوية من
طرف المغرب و بحضور شخصيات وازنة في مؤسسات الدولتين يجسد بالملموس أن تدبير الدين
في المغرب من طرف إمارة المؤمنين ( الملك) يعتبر نموذجا جد متقدم في التعايش
السلمي بين الديانات و أن بلد المغرب وطن يحتضن الجميع و أرض تاريخ و حضارة عريقة
استطاعت عبر الزمن أن تؤسس نموذجا من الفكر الديني الوسطي المعتدل المبني على جملة
من القيم الكونية و الإنسانية و التي تجعل من الفرد متوازنا في علاقته مع ذاته و
مع الآخر و مع محيطه. يكاد المغرب يستفرد بهذا
النموذج الديني المنفتح و المتسامح و الذي بات محل إعجاب و بحث في خصوصياته ،
بخلاف بلدان المشرق التي أضحت تبحث عن بديل للغلو و تطرف الفكر الديني؛ و لعل
توشيح ممثلي الديانات الثلاث في فرنسا من طرف أمير المؤمنين عن طريق أخته
للامريم يعزز الاتجاه المنفرد لمشروعية
التقارب و التعايش و القبول. و استحضارا لسابقة في عهد
الراحل الحسن الثاني حينما استقبل بابا الفاتيكان جان بول الثاني سنة 1985
بالبيضاء، حيث كانت أول زيارة لهرم الكنيسة الكاثوليكية لأول دولة إسلامية، خلالها
كان أمير المؤمنين جنبا إلى جنب مع بابا الفاتيكان مما يدل على رمزية التقارب و
الانفتاح. وكان إلقاء كلمة من طرف البابا أنذك ابتدأها بالعربية ثم وا صل
بالفرنسية للعالم الإسلامي رمزا على أن بلاد المغرب أرض تواصل و تقاطع و تقارب بين
الشمال و الجنوب و بين الشرق و الغرب...و كانت تلك الزيارة بحق مرحلة مفصلية
للتقارب بين الديانتين الكاثوليكية و الإسلامية في أرض المغرب. نعود إلى رمزية التوشيح لممثلي الديانات الُثلاث
و نؤكد على أهمية دلالتها بالنسبة لفرنسا؛ فبحسب فالس، الذي قال خلال هذه المناسبة
" إن الملك محمد السادس لايشرف بهذه المبادرة فرنسا فحسب، لكنه بجمع الديانات
التوحيدية الثلاث ... ثلاث ديانات كبرى تتقاسم القيم نفسها التي سقت الحضارات
الكبرى". كما اغتنم فالس هذا الحفل ليشيد بالصداقة بين المغرب و فرنسا واصفا
إياها بأنها "رابط يقاوم كل شيء" رغم ما "قد يحصل أحيانا من حالات
سوء فهم، لكن قوة التاريخ و علاقات الصداقة ...لها دور أساسي."
المصطفى منعوت