adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/02/07 - 12:03 م

صلاح الوديع..لهذا أحترم حياء زوجة بنكيران التي سمعته يقول لبرلمانية « ديالي كبر من ديالك » !


• صلاح الوديع

وقف الشاب الفارع الطول قبالتنا وراء الشباك المزودج. تبادلنا كلمات المودة. كان شاحبا، يبدو عليه بعض الهزال وبقايا ألم تسامى عليه صاحبه في كبرياء نبيل، ألمٌ انسحب متواريا بعد أن ترك على الوجه شروخا لا تتوقف عن صدها ابتسامة وضاءة أو ضحكة مجلجلة…
كان أحمد بنجلون يقف أمامنا وكان ما نراه على محياه بدون شك من بقايا التعذيب الاستثنائي الهمجي الذي مورس عليه. لكن معنوياته كانت في السماء. حكى عن ذلك في إحدى المرات بكلمات فيها كثير من الترفع والتحمل. وقع ذلك أيام سطوة أوفقير وفرقة “الكاب” سيئة الذكر. التعذيب الذي ترك في قلبه أثرا بالغا هو الشاب اليافع المقبل على الحياة.
في جو تملؤه عائلات مناضلين وطنيين بدأت طريقي. من بينها عائلة بنجلون. الإخوة الأربعة عمر وأحمد وعباس والزبير. وزوجة عمر وأسرتها والأبناء. لكن أحمد لم ألتق به أول مرة إلا سنة 1971. جرى ذلك في إحدى مزارات السجن المركزي حيث ذهبنا لزيارته بعد أن نقل إليه مع المقاوم سعيد بونعيلات عقب محاكمة مراكش، إثر الحكم عليهما ضمن مناضلين آخرين.
وأذكر أن والدي تحايل خلال الزيارة ليُدخل خلسة مذياعا صغيرا للمعتقلين، وهو شيء ممنوع طبعا آنذاك. وضع الراديو في جيب أخي الأصغر توفيق الذي دخل بكل “براءة” ليعانق بونعيلات وراء الشباك. والكل يعرف ما هي قيمة الراديو بين معتقلين سياسيين ممنوعين من أي علاقة بالعالم الخارجي.
نفس المزار سيعرف زيارات أخرى ابتداء من 1977، كنا فيها – عزيز وأنا – وراء شباكين، في نفس المكان الذي وقف فيه أحمد قبل سنوات. نفس المزار ظلت آسية ووالدتي ثريا وأسماء تترددن عليه حتى بعد الإفراج عنا…فالأسرة الكبيرة امتدت إلى كل المعتقلين…
وإن أنس لا أنسى ما حكاه لي والدي عن موقف عمر بنجلون بعد اعتقالنا. جاء عمر إلى الوالد، ونحن لا نزال في درب م الشريف، وخاطبه قائلا: “إياك أن ينتصب محامٍ قبلي للدفاع عن ابنيك، أنا أولى…” لكن يد السواد البهيم امتدت إليه ونحن بعد في م الشريف فلم أستطع تقديم العزاء لزوجته ولأسرته ولأحمد…
كان آخر لقاء لي بأحمد بعد وفاة آسية مباشرة. ناداني بالهاتف. لم أتعرف على صوته للوهلة الأولى. قال أنه متعب وأنه حزين لفقدان آسية. بكينا معا على الهاتف. كانت دموعه بعضا من أوراق الياسمين النضرة. انتقلت إلى منزله بالرباط، دليلي إليه ابنه الصديق عمر بنجلون. أحمد لم يكن يقدر على التنقل بسهولة. لم ينزل الدرج إلا بعد جهد جهيد.
قبل أن نتبادل الارتسامات عن العالم و”الربيع” والمغرب، وبعد أن استراح قليلا بادرته قائلا ونحن نرشف كأس شاي: “جئت لأعزيك في آسية”. أجابني بلا تكلف وبشكل بديهي: “شكرا لك. حسنا فعلت، فآسية أختنا جميعا”.
وأنا أودعه، طلبت منه شيئا واحدا، دليلا على أنانية مفرطة: “سي أحمد، ننتظر نشر مذكراتك”.
عليك الرحمة إلى أبد الآبدين.