adsense

/www.alqalamlhor.com

2015/01/13 - 12:16 ص



التراجع الحاد للأسعار العالمية للنفط بأكثر من نصف قيمته منذ منتصف عام 2014 ضغوطًا قوية على اقتصاد الجزائر، الغنية بالنفط والغاز الطبيعي، وهو ما دفع الحكومة، خلال الأشهر الماضية، إلى تبني مسارين رئيسيين: أولهما، يتمثل في اتخاذ إجراءات تقشفية عبر كبح جماح الإنفاق الحكومي. وثانيهما، يتعلق بتعزيز تنويع الأنشطة الاقتصادية. ورغم أهمية هذين المسارين في تقليص حدة تداعيات هبوط أسعار النفط، إلا أن نجاحهما يرتبط بكيفية تعامل الحكومة مع التوترات الاجتماعية التي ربما تتصاعد جراء تراجع دورها في توفير الوظائف والخدمات الاجتماعية، لا سيما أن الاقتصاد الجزائري يعاني، منذ عقود، من ضعف القدرات التنافسية، مما يجعل عملية التنويع الاقتصادي تواجه صعوبات عديدة في الوقت الراهن، حيث تحتاج إلى إصلاحات واسعة قد تمتد لفترة طويلة.
عجز متوقع:
أثر انخفاض أسعار النفط بشكل واضح على الاقتصاد الجزائري، حيث تشير التقديرات إلى أن مستوى سعر برميل النفط المطلوب لتوازن الميزانية الجزائرية يبلغ نحو 130 دولار، بما يزيد من احتمالات تسجيل مشروع الميزانية الجزائرية لعام 2015 عجز يقارب 22% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي ضوء المعطيات السابقة، لن تقتصر تداعيات الموقف على الميزانية، وإنما ستمتد بدورها للتأثير على متغيرات أخرى مثل تراجع أسعار صرف العملة المحلية مقابل الدولار، وهو ما سيجبر الحكومة على السحب من احتياطي العملات الأجنبية، إذا استمرت الأزمة، بما سيؤثر سلبًا على مركزها المالي.
مساران رئيسيان:
تعاملت الحكومة الجزائرية مع أزمة تراجع أسعار النفط من خلال تبني مسارين رئيسيين يتمثلان في: 
1- إجراءات تقشفية: بحسب تصريحات رئيس الوزراء الجزائري عبد المالك سلال، سوف تتخذ الحكومة تدابير عدة من شأنها تخفيض الإنفاق الحكومي، مثل تجميد التوظيف في القطاع العام، وتأجيل المشاريع الكبرى غير العاجلة، مع مضاعفة التدابير الرامية إلى إدماج النشاط غير الرسمي داخل النشاط الرسمي. ومن المتوقع أيضًا أن تقدم الحكومة على توسيع  قاعدة الوعاء الضريبي، وكانت التقديرات الرسمية الجزائرية تشير إلى أن هناك نحو 60 مليار دولار ضرائب غير محصلة، من الممكن أن تمثل مصدرًا مهمًا يعوض خسائر تراجع أسعار النفط، وهو ما يعني أيضًا إعادة هيكلة المالية العامة للدولة، حيث ستتجه أكثر نحو الاعتماد على حصيلة الضرائب في مواردها.  
2- التنويع الاقتصادي: أكد الخطاب السياسي الجزائري على أهمية تعزيز تنويع الأنشطة الاقتصادية والتوجه نحو بناء قاعدة صناعية قوية دون الإعلان تفصيلا عن طبيعة القطاعات المستهدفة في عملية التحول، على أن يتزامن ذلك مع تعديل البنية التشريعية والتنظيمية لتشجيع القطاع الخاص الذي واجه حالة من الجمود في السنوات الماضية، وفي هذا السياق كانت السلطات قد أعلنت في نوفمبر 2014 عن إصدر قانون جديد للاستثمار بهدف جذب الاستثمارات الأجنبية.
تحديات راهنة:
لكن هذه الإجراءات التي تتبناها الحكومة تواجه تحديات عديدة. فقد شهدت الجزائر، خلال عام 2014، احتجاجات متعددة مدفوعة بمتطلبات اقتصادية تنموية وأخرى سياسية، وهو ما يزيد من احتمالات تصاعد حدة السخط الاجتماعي بين فئات الشعب المختلفة، مع تراجع دور الدولة في تقديم الخدمات الاجتماعية وتوفير الوظائف، في حالة استمرار الأزمة، بشكل سوف يساهم في انخفاض المستوى المعيشي وارتفاع معدلات الفقر والبطالة، في ظل صعوبة الاعتماد على القطاع الخاص في الوقت الراهن، بسبب حالة الجمود التي يعاني منها منذ عقود.
 كما أن تبني سياسة التنويع الاقتصادي يواجه صعوبات عديدة أهمها ضعف القدرات التنافسية للاقتصاد، وتنامي القيود المفروضة على حرية التجارة والاستثمار وعدم ملائمة بيئة الأعمال، وخلال العقود الماضية لم تحاول الحكومات المتعاقبة علاج التدابير الخاصة بتقييد تراخيص الاستيراد والتصدير، أو قيود الملكية للاستثمارات الأجنبية التي تشترط ملكية الجزائريين لنحو 51% من المشاريع الأجنبية، وهو ما يفسر أسباب حصول الجزائر على مركز متأخر في مؤشرات البنك الدولي في مجال سهولة ممارسة الأعمال لعام 2015، حيث جاءت في الترتيب 154 عالميًا من أصل 189 دولة، في حين تتفوق عليها دول أخرى بالمنطقة ذات الهياكل الاقتصادية نفسها. فضلا عن ذلك، فقد ارتبطت المشكلات الاقتصادية التي تعاني منها الجزائر بضعف بناها التحتية والجوانب المؤسسية، إلى جانب عدم تطور نظامها المالي، وهو ما أفضى في النهاية إلى حلولها في المركز 79 عالميًا من أصل 144 دولة في مؤشر التنافسية العالمي الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2014/2015، وهو ما يتطلب من الجزائر، بحسب صندوق النقد الدولي، التحول إلى نموذج نمو يقوده القطاع الخاص، ويشجع الإنتاجية والقدرة التنافسية، بشكل سوف يزيد في النهاية من خلق فرص عمل جديدة.
 وفي الإطار نفسه، وانطلاقًا من كون عملية التنويع الاقتصادي طويلة الأمد، يمكن للجزائر الاستفادة من فرص واسعة لتنويع الأنشطة الاقتصادية رأسيًا أو أفقيًا، من خلال تعظيم القيمة المضافة لموارد قطاع النفط والغاز في تدعيم صناعة البتروكيماويات، وتنمية القطاع الزراعي والسياحي، وكانت بيانات عام 2014 أشارت إلى أن القطاع غير النفطي سجل نموًا بنحو 4.4%، ليفوق بذلك نمو القطاع النفطي الذي توقف عند 0.4%، بشكل يطرح دلالة مهمة تتمثل في أن القطاع غير النفطي يحمل آفاقًا واسعة للنمو في الجزائر، إذا استمرت القوى الدافعة له.
وبناء عليه، يمكن القول إنه رغم الدلائل الأولية التي تشير إلى أن تراجع أسعار النفط سيرهق الاقتصاد الجزائري على المدى القصير، إلا أنه يبقى فرصة من جهة  أخرى يمكن اغتنامها عبر إعادة النظر في هيكلة الاقتصاد والتوجه نحو مزيد من تنويع الأنشطة الاقتصادية بما يرفع في النهاية من المستوى المعيشي ويوفر مزيدًا من فرص العمل، بيد أن ذلك لن يتحقق إلا في ضوء زيادة القدرات التنافسية عبر دعم البنى التحتية والبيئة التنظيمية والتشريعية وتسهيل مناخ تدفقات الاستثمارات الأجنبية.