لا يمكن مواجهة الإجرام والتصدي للجريمة باعتماد مقاربة أمنية زجرية محضة قائمة على
حضور تقليدي أصبح متجاوزا بفعل التطور والمعرفة بالشيء، لكن مقابل ذلك يمكن إتباع
سياسة استباقية وقائية ، تساهم بالأساس في الخروج عن المألوف للتدخل الأمني عند
وقوع أي عطب أو جريمة بعد التبليغ عنها،وطرح السؤال المعروف من طرف المشرف على
قاعة المواصلات "وَاشْ كَايَنْ شِي دَمْ " لتنتقل الضابطة القضائية للمعاينة والتقصي و تقديم الجاني إلى النيابة
العامة بعد اعتقاله أو تسجيل مذكرة بحث في حقه بعد فراره ، بعد أن يكون المواطن
الذي تعرض للإعتداء قد انتُهِكت حقوقه
نتيجة الفعل الإجرامي، كما أن المتابعة القضائية قد تجعل أي مواطن في غنى عن دخول
متاهة ردهات المحاكم مهما كانت درجة حقوقه التي سُلِبَت و انتُهِكَت ، إما لضعف
ذات يده أو لظروف عمله ، ليطرح السؤال الجوهري حول الغاية من سن كل هذه المقاربات
الأمنية التي عرفتها المدن المغربية ، ألم تكن تهدف بالأساس إلى حماية المواطن في
ماله وعرضه واستتباب الأمن والأمان في مكان تواجده بشكل استباقي قبل تعرضه للعمل
الإجرامي ؟ وللجواب عن هذا السؤال يمكننا
اعتماد النموذج الفرنسي والذي حاول المسؤولون الأمنيون المغاربة إتباع مقاربته
الأمنية في إطار ما يسمى ب"سياسة المدينة" والذي يقوم بالأساس على تطوير
مبادرات الفاعلين المحليين التي تروم
سياسة إدماجية مبنية على سياسة محلية ، تتسم بالمرونة ،مقارنة مع ما هو
مركزي، فضلا عن كونها أكثر تجاوبا مع الحاجيات حسب كل مدينة ، وذلك بعد أن اصطدمت
المحاولات الأولى للوقاية بصخرة الجنائي وعجزه بمفرده عن حل مشاكل انحراف الشباب ،
مما استلزم البحث عن سبل أخرى تروم بالأساس تتبيت الشباب وفهم سلوكاتهم كنهج وقائي
يهدف إلى تجفيف منابع الجريمة و السلوكات اللا مدنية بالوسط الحضري ، بدءا بمشاكل
العصابات وكيفية تشكلها ومواجهتها وانتهاء بالعمل الميداني بالشارع بكل مكوناته وليس
الاكتفاء بحل مشكل أو إصلاح عطب بزقاق ما،
أو أمام مدخل عمارة أو ساحة من الساحات العمومية ،بل عبر الإلتصاق اليومي بالشباب والعيش
معهم في الميدان بشكل بعيد عن اللباس الأمني المطلق والحضور الرسمي المألوف...
لقد حان الوقت لمواجهة الحالات اللا أمنية بمدن المملكة بخلق مجالس أمنية وقائية يتم
إرفاقها بأجهزة تابعة لمصالح محلية خاصة بكل مدينة ، تسند إليها مهمة الحد من
الأنشطة الإجرامية على المستوى المحلي بشكل
استباقي / وقائي وذلك بحضورها الدائم والتصاقها
التام بمنابع الجريمة لتجفيفها والحد من
نشاطها والعمل على فهم سلوكات متعاطيها وفق مقاربة أمنية تعتمد المبادرة والتجديد في أساليب التدخل
والمعالجة و تقوم أساسا على نهج وقائي إدماجي يحترم المبادئ الحقوقية الكونية
،ويحاول تغييب الحضور الأمني الكلاسيكي القائم على الزي الرسمي والطقوس المتجاوزة
... والذي يقتصر دوره عادة على التدخل بعد انتهاك حق من الحقوق نتيجة الفعل
الإجرامي .