بقلم الأستاذ عادل فتحي قاضي سابق
في إطار تنوير الرأي العام لا نجد
مفراً من ذكر مضمون الأية الكريمة: "إن الله يعلم حيث يجعل رسالته"، على
إعتبار أنها كفيلة وحدها بأن تجيب عن سؤال عريض، يعيق إتخاذ القرار ببلدنا بشأن
قضية "الفراقشية"، أو ما يسمى بدعم استراد اللحوم.
فمن هو المؤهل بوضع اليد على هذه
القضية، التي لا يجادل أحداً في أنها فضيحة؟، فهل السلطة القضائية أم لجنة تقصي
الحقائق، أم لجنة استطلاعية؟.
فعلا للجواب على هذ السؤال المحير في
الوقت الراهن، لا يسعنا إلا معرفة من يصلح لهذه المهمة و هذا الدور، و من هو أهل
والمؤهل لهما.
فالاختيارات المطروحة يراد منها فقط
معرفة إظهار الحقيقة، وإن كان تضليل العدالة والتملص من المسؤولية متاحين بشكل
قانوني للأسف الشديد.
مبدئيا، تختص المحاكم في البحث و
متابعة مرتكبي الجرائم، وفق مساطر محددة، تبدأ بالبحث التمهيدي تحت إشراف النيابة
العامة كيفما كانت الجهة المرتكبة للجريمة، سيما و أن مستجدات الدستور 2011 جاءت
باستقلال القضاء، لدفع قاطرة التنمية، نعم نحن ضد محاكم تقصي الحقائق، و المحاكم الاستطلاعية، عفوا لجنة تقصي الحقائق
واللجنة الاستطلاعية، لأن مجالهما في ميادين أخرى لا سبيل للوقوف عليها.
إن قضية "الفراقشية" قضية في
غاية الخطورة، لأن ضررها لحق المجتمع برمته، و أن تفكيك هذه النازلة يحتاج إلى
تقنيات بحت جد خاصة، لإظهار الحقيقة كما سبق القول.
كلنا ضد محاكم تقصي الحقائق و المحاكم
الاستطلاعية، لأنها لا تفي بالغرض في هذا الباب، و أن الهدف منها هو إقحام
والتسامح مع تأثير جد نوعي على السلطة القضائية، و جعل إختصاص هذه الأخيرة مرتبط
ببعض القضايا التي يعرف الجميع طبيعتها و نوعيتها.
و على هذا الأساس، فإن الجمعيات
المهنية القضائية تضع نفسها في قفص الإتهام، لكونها لا تدافع عن وجود وكينونة و
إختصاص السلطة القضائية، فتجعل الأبواب مفتوحة لاحتقار القضاء برمته سواءً بشكل
مباشر أو بشكل غير مباشر.
فالتأثير على السلطة القضائية هو عنوان
بارز لاحتقار القضاة؛ خاصة قضاة النيابة العامة.
فعلى الجمعيات المهنية القضائية دون
إستثناء التدخل عبر مواقف واضحة و شفافة و نزيهة للدفاع عن إستقلال القضاء، الذي
أضحت تنافسه أيضا الهيئة الوطنية، عفوا المحاكم الوطنية للنزاهة و محاربة الرشوة
إلى جانب محاكم تقصي الحقائق و المحاكم الاستطلاعية.
إن الجمعيات المهنية القضائية ملزمة أن
تجيد وتركن للدفاع عن قضيتها الأولى، التي تتجلى في ترسيخ و تعزيز إستقلال القضاء
لنفع المجتمع.
فأول خطوة تتمثل في هدم الأحكام
الجاهزة التي تشكل عوائق ضخمة، من قبيل مثلا أن قاضي النيابة العامة يرتبط
بالمحكمة كما يرتبط العصفور بالقفص، و محاربة بالتالي حكم جاهز أخر يتمثل في محاكم
الشرطة القضائية لدرجة أضحت بعض القضايا تعرف حقيقة بوليسية و حقيقية
قضائية و حقيقة إعلامية و حقيقة واقعية.