adsense

/www.alqalamlhor.com

2025/03/29 - 4:27 ص

بقلم الأستاذ حميد طولست.

أثارت قضية قائد تمارة، الذي تعرض لصفعتين أثناء مزاولة مهامه، جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية ومواقع التواصل الاجتماعي. التعاطف مع رجل السلطة كان متوقعًا، فإهانة موظف أثناء أدائه لواجبه مرفوضة قانونيًا وأخلاقيًا، لكن ما أثار الدهشة هو شهادة العجز الطبي التي قدمها السيد القائد للمحكمة، والتي قدرت مدة العجز بثلاثين يومًا كاملة بسبب الصفعتين اللتين وثقتهما عدسات الكاميرا وأظهرتا الاعتداء بوضوح، ورغم كونهما غير مقبولتين، لا تبدوان على درجة من الخطورة تبرر شهرًا كاملًا من العجز. فهل كانت الصفعتان تحملان إشعاعات نووية غير مرئية؟ أم أن الطبيب الذي وقع الشهادة رأى أضرارًا لم يرها بقية المشاهدين؟ هذه التساؤلات تقودنا إلى إشكالية أعمق تتعلق بالتلاعب بالشهادات الطبية واستغلالها لتحقيق مكاسب غير مشروعة ، والتي لم تكن المرة أو الحالة الأولى التي تُستخدم فيها الشهادات الطبية كوسيلة للضغط القانوني أو كأداة انتقامية في النزاعات. لطالما استُخدمت شهادات العجز "المضخمة" في قضايا متعددة، مما يضر بمصداقية المؤسسات الطبية والقضائية على حد سواء. فحين يصبح الحصول على شهادة عجز طويل الأمد أمرًا ممكنًا لمن يدفع أو لمن يمتلك النفوذ، فإن ذلك يضرب في الصميم نزاهة المنظومة الصحية والقضائية.

الأمر الذي انتقده المحامي ورئيس الجمعية المغربية لحماية المال العام، محمد الغلوسي، معتبرا ان منح شهادة طبية بـ 30 يومًا من العجز لقائد تمارة، ليس سوى "الشجرة التي تخفي الغابة"، في إشارة إلى الفساد المستشري في مجال الشواهد الطبية والخبرة القضائية. حيث أوضح الغلوسي أن العديد من المواطنين فقدوا ممتلكاتهم وتعرضوا للتشريد نتيجة تقارير خبرة قضائية مشكوك فيها، مشيرًا إلى أن بعض الأطباء والخبراء القضائيين ينجزون تقارير "تحت الطلب"، تقلب الحقائق، وتحول الجناة إلى ضحايا، والعكس.

وأضاف أن بعض هذه التقارير كانت سببًا في إدانات جنائية جائرة، حيث يُتهم أشخاص بجرائم خطيرة بناءً على شهادات طبية غير نزيهة، تدّعي وجود عاهات مستديمة في حين أن الحقيقة مغايرة تمامًا. ولم تسلم الدولة نفسها من تداعيات هذا الفساد، حيث أكد الغلوسي أن بعض الخبراء يستغلون نفوذهم لإعداد تقارير مغلوطة، تُمكّن بعض الأطراف من الحصول على تعويضات خيالية على حساب المال العام، مما يشكل استنزافًا خطيرًا للموارد العمومية ، الذي إذا استمر التساهل مع ممارساتها، فسنجد أنفسنا أمام وضع يتحول فيه أي احتكاك بسيط إلى حالة "عجز مزمن"، وأي مشادة كلامية إلى "إعاقة دائمة". لذا، لا بد من وضع حد لهذه الظاهرة عبر تحقيقات شفافة تطال كل الأطراف، من مقدمي الشهادات الطبية المشبوهة إلى المستفيدين منها. كما يجب إعادة النظر في المعايير المعتمدة لإصدار شهادات العجز الطبي، وضبطها بحيث تكون مبنية على أسس علمية لا على اعتبارات أخرى.

إن محاربة التلاعب بالشهادات الطبية ليست مجرد مسألة قانونية، بل هي خطوة ضرورية للحفاظ على ثقة المواطنين في مؤسساتهم. فكلما تمت محاسبة المتورطين في هذه الممارسات، اقتربنا أكثر من نظام صحي وقضائي أكثر نزاهة وعدالة.