بقلم الأستاذ حميد طولست
شبهة استغلال النفوذ وإقحام العمل الإنساني
في صراعات سياسية، ضدا في مبدأ الحياد اللازم في توزيع مساعدات
"جود"نمودجا.
لا أحد يعارض مبدأ الإحسان العمومي، بل
إن الجميع يشجع على تعزيزه وتوسيعه ليشمل كافة شرائح المجتمع، سواء من خلال
الأفراد، الجمعيات، الأحزاب، الجماعات المحلية، أو حتى عبر التعاون الدولي.
فالمبادرات الخيرية، متى كانت صادقة ونزيهة، تُعدّ رافداً مهماً لدعم الفئات الهشة
ومساعدتها على تجاوز الظروف الصعبة.
لكن ما يثير القلق هو تلاعب بعض الجهات
بالإحسان العمومي، واستخدامه أداة لتحقيق مكاسب سياسية، خصوصًا من قبل المسؤولين
الذين كانوا سببًا في الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المزرية التي يعاني منها
المواطن البسيط العاجز عن توفير لقمة العيش أو حماية نفسه من البرد القارس، الذي
أصبح اليوم يجد نفسه مضطرًا لمدّ يده للحصول على "قفة" أو
"بطانية" تُوزّع عليه وكأنها منّة، بينما هي في الأصل جزء من حقوقه التي
يُفترض أن تضمنها له الدولة عبر سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة.
لكن ومن المؤسف ، أن بعض هؤلاء
المسؤولين، الذين يتظاهرون بفعل الخير، لا يهدفون سوى لاستغلال فقر المواطن لشراء
صوته الانتخابي، عبر حملات إحسانية موجهة، تُظهرهم في صورة المحسنين، فيما هم في
الواقع غربان لا يهمهم غير أصوات الناخبين للوصول بها إلى مراكز النفوذ والتحكم في
مقدرات الشعب وخيراته.
فمنذ حادثة التدافع المأساوية التي راح
ضحيتها 15 شخصًا في جماعة سيدي بولعلام بإقليم الصويرة سنة 2017، صدرت تعليمات
ملكية لتقنين عمليات الإحسان العمومي عبر مشروع القانون 18.18، القانون الذي رحّب
به المغاربة لما فيه من ضمانات للشفافية والحدّ من التلاعب بالتبرعات، التي تحوّلت
إلى مصدر للشكوك حول مصير ملايين الدراهم التي تجمعها بعض الجمعيات والمؤسسات تحت
غطاء العمل الخيري.
إلا أن ما لم يتقبّله المواطن هو الكيل
بمكيالين، فمن جهة تُمنع الجمعيات الجادة والمحسنون المستقلون من جمع التبرعات
وتوزيعها بشكل مباشر، ومن جهة أخرى يُسمح لبعض الأحزاب والجمعيات المحظوظة
باستغلال المال العام في عمليات إحسانية ظاهرها مساعدة الفقراء، وباطنها حملات
انتخابية مقنّعة سابقة لأوانها.
وفي هذا السياق، تبرز الضجة المثارة
حول "القفف الانتخابية" التي يستعد بعض المسؤولين لتوزيعها خلال شهر
رمضان، حيث تُستغل هذه المناسبة الدينية في الترويج لأجندات سياسية ضيقة، مستخدمةً
موارد الدولة لخدمة مصالحها.
إذا كان الهدف الحقيقي من تقنين الإحسان العمومي هو ضمان وصول التبرعات إلى مستحقيها ومنع التلاعب بها، فمن الضروري أن يشمل هذا التنظيم الجميع دون استثناء، وأن يُمنع أي استغلال سياسي أو انتخابي لهذا العمل الإنساني النبيل. فلا يمكن القبول بتحويل معاناة الفقراء إلى وسيلة للمتاجرة السياسية، بينما يبقى الحل الجذري هو في وضع سياسات اقتصادية واجتماعية عادلة تغني المواطن عن الحاجة إلى الإحسان.