بقلم الأستاذ حميد
طولست
بعد المصادقة
على قانون الإضراب كثرت التساؤلات حول مشروع قانون الإثراء غير المشروع وحماية
المال العام تقتضي وجود قوانين تمنع استغلال النفوذ للاغتناء غير المشروع، الذي
يُعَدُّ أحد مظاهر الفساد، ويُعرَّف قانونياً بأنه تحقيق شخص لمكاسب مالية أو تضخم
في ثروته بشكل لا يتناسب مع مداخله المشروعة، دون تقديم تفسير قانوني واضح لهذا
الثراء ،القانون الذي يعتبر في كثير من الدول جريمة يُحاسب عليها القانون، لأنه
يشكل مدخلاً لنهب المال العام واستغلال السلطة لتحقيق مكاسب شخصية ، والذي يبقى
معه الحديث عن محاربة الفساد مجرد شعار دون مضمون حقيقي ، في غياب تجريم الإثراء
غير المشروع في المغرب، وهو أحد المقتضيات التي كانت مضمّنة في مشروع القانون
الجنائي، قبل أن تتراجع الحكومة عن طرحه، متذرعة بصعوبات قانونية وديمقراطية كما
جاء في تساؤلات وزير العدل عبد اللطيف الكثيرة،والتي منها: "بأي حق سنتابع
الناس بالإثراء غير المشروع؟ التساؤل الذي يفضح رأي السيد وهبي في تجريم الإثراء
غير المشروع ، الذي قد يقود إلى “محاربة الفساد بطريقة شيوعية ستالينية”، أي أسلوب
يعتمد على الاشتباه والاعتقال قبل التحقق من الفساد، وهو ما يراه مخالفاً لمبدأ
قرينة البراءة، الذي يُفترض أن يحمي الأفراد من الاتهامات غير المثبتة. بالمقابل،
يرى أن “الطريقة الديمقراطية” لمحاربة الفساد تقتضي عدم إدانة أحد إلا بوجود دليل
قاطع، الطرح الذي يضعنا أمام إشكاليتين جوهريتين ، هي كيف يمكن إثبات الفساد دون
أدوات قانونية واضحة لمراقبة تضخم ثروات المسؤولين؟ و لماذا يتم التعامل مع هذا
القانون بانتقائية، في حين يتم تسريع قوانين أخرى ذات طابع زجري مثل قانون
الإضراب، حيث لا يمكن النظر إلى قضية تجريم الإثراء غير المشروع بمعزل عن السياق
العام للتشريع في المغرب. فقد تم إقرار قانون الإضراب، الذي يفرض قيوداً مشددة على
ممارسة العمال لحقهم في الاحتجاج، بسرعة لافتة، رغم الجدل الواسع حوله. في
المقابل، تأجل تجريم الإثراء غير المشروع بحجة كونه غير ديمقراطي أو صعب التطبيق.
هذه
الازدواجية تطرح تساؤلات حول أولويات الحكومة ومدى جديتها في محاربة الفساد. فإذا
كانت هناك صعوبة قانونية في تجريم الإثراء غير المشروع، فلماذا لم يتم بذل الجهد
نفسه لتطوير آليات قانونية لضمان عدم استغلال النفوذ لتحقيق مكاسب غير مشروعة؟
ولماذا يُترَك المجال مفتوحاً أمام المسؤولين لتضخم ثرواتهم دون مساءلة حقيقية؟
مع أن العديد
من الدول تستخدم تجريم الإثراء غير المشروع كأداة لمكافحة الفساد دون المساس بمبدأ
قرينة البراءة. فالهدف ليس معاقبة الجميع بشكل عشوائي، بل فرض شفافية مالية على
المسؤولين، بحيث يُطلب منهم تقديم تبريرات منطقية لأي تضخم غير عادي في ثرواتهم.
أما تصريح
الذمة المالية الذي أشار إليه السيد وهبي بأن المسؤولين مُلزَمون بالتصريح
بممتلكاتهم، لكن المشكلة ليست في التصريح بحد ذاته، بل في غياب آلية فعالة لمراقبة
التغيرات غير الطبيعية في الثروة ومعاقبة المتورطين. فالتصريح بالممتلكات، دون
وجود آلية لمتابعة مدى تناسبها مع مداخيل المسؤول، يظل إجراءً شكلياً لا يحقق أي
أثر في مكافحة الفساد.
فمحاربة
الفساد لا تتم بمجرد النوايا الحسنة أو الخطابات السياسية، ودون آليات قانونية ،
بل تحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تترجمها قوانين واضحة وآليات رقابية صارمة. إن
رفض الحكومة تجريم الإثراء غير المشروع، في الوقت الذي تسرع فيه قوانين أخرى
تُقيّد حقوق فئات مجتمعية، يعزز المخاوف من أن يكون هذا القرار انعكاساً لمصالح
معينة، أكثر من كونه مبنياً على أسس قانونية سليمة.
إن حماية المال العام تقتضي وجود قوانين تمنع استغلال النفوذ للاغتناء غير المشروع، وإلا فإن الحديث عن محاربة الفساد سيظل مجرد شعار دون مضمون حقيقي.