بقلم الأستاذ حميد طولست
أثيرات الحديثة على
التي شهد العالم الإسلامي اليوم تحولات
بنيتها الإيمانية التقليدية والفكرية والمعرفية العميقة نتيجة الاكتشافات العلمية
الحديثة والدراسات التاريخية التي سلطت الضوء على تناقضات السرديات الدينية
التقليدية. الدراسات التي حطمت هذه العديد
من التصورات المثالية حول "العصر الذهبي" للإسلام والشخصيات الدينية
التي كان يُنظر إليها على أنها معصومة من الخطأ. كما أن انتشار الإنترنت قد أتاح
وصول الأفراد إلى كمٍّ هائلٍ من المعلومات التي كانت محجوبة عنهم في السابق، مما
جعل بعض المعتقدات التقليدية تبدو هشة وغير قادرة على الصمود أمام النقد العلمي
والتاريخي.ما خلق لدى المسلمين حساسية كبيرة تجاه مسألة الإيمان والارتداد، حيث
يبدون احتفاءً كبيرًا بمن يعتنق الإسلام، في حين يشعرون بعدم الارتياح بل وبالغضب
تجاه من يتركه. هذه الحساسية ليست مجرد موقف ديني، بل هي انعكاس لأزمة ثقة داخلية
بالإيمان نفسه، حيث يشعر الكثيرون بأن تزايد عدد المسلمين يعزز من مشروعية
معتقداتهم، في حين أن خروج البعض من الدين يهدد هذه المشروعية. ما يدفع بالمجتمع
المسلم لا يكتفي عادة بمعاملته عند ارتداد شخص عن الإسلام، بلا مبالاة، بل يتدرج الموقف
تجاهه من الاستياء إلى الكراهية العلنية، والتي قد تتخذ أشكالًا متعددة، من
التهميش والنبذ الاجتماعي داخل الأسرة والمجتمع، إلى التحرش والعنف اللفظي
والجسدي. وقد ازدادت هذه الظاهرة وضوحًا في العصر الرقمي، حيث تتعرض الشخصيات التي
تعلن عن تغيير معتقداتها لحملات تنمر وتشويه عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
لقد آن الأوان لمراجعة المفاهيم
التقليدية التي لم تعد تتلاءم مع قيم الحرية والعدالة، فبدلاً من البحث عن أدوات
قمعية لحماية الدين، ينبغي التركيز على بناء وعي معرفي يتيح للمؤمنين فهم دينهم
بطريقة أكثر انفتاحًا ومرونة، تتماشى مع روح الإسلام الحقيقية، فالإيمان الحقيقي
لا يكون بالإكراه، بل بالقناعة الشخصية والاختيار الحر. ومواجهة الأفكار بالأفكار،
السبيل الوحيد لتعزيز الفكر الإسلامي وإبقائه حيًا وقادرًا على التفاعل مع متغيرات
العصر.