بقلم الأستاذ حميد طولست
الإنسان كائن اجتماعي بطبعه ، لا
يستغني الناس في هذه الحياة عن بعضهم البعض، ولا يستطيع العيش بمعزل عن الآخرين
ومشاركته إياهم أمور الحياة، دون مقابلة الإحسان بالإحسان ، كأحد أبرز القيم
الأساسية التي تعزز الروابط الإنسانية وتثري العلاقات الاجتماعية ،وكأحد أجمل
التصرفات النبيلة القائمة على الاعتراف بالمعروف وتقدير جهود الآخرين، وكآلية
نفسية واجتماعية مرتكزة على فضيلة "رد الجميل" المبدأ النفسي والاجتماعي
المعروف باسم "التبادل
الاجتماعي" (Social
Reciprocity)، السلوك المتجذر في الثقافة الإنسانية، الذي
يشعر الفرد بالالتزام تجاه من يقدم له معروفًا أو خدمة أو مساعدة، ويخلق لديه
دائرة من العطاء التبادل الاجتماعي، الذي ليس مجرد استجابة لحاجة آنية، بل هو نظام
اجتماعي مستدام، يُلهم الآخرين لرد الجميل بطريقة إيجابية معززة للتعاون بين
الأفراد ومقوّية للنسيج الاجتماعي ، التي تؤدي إلى تعزيز روح التضامن والتآزر،
الذي يجعل العلاقات أكثر تماسكًا وانسجامًا. والإسهام في بناء سمعة حسنة للأفراد
والمجتمعات، حيث يصبح المعروف دَينًا معنويًا يُرَدُّ في الوقت المناسب، بما
يتناسب مع الموقف والقدرة.
لكن رغم إيجابيات "رد
الجميل"، إلا أن هناك جانبًا سلبيًا يمكن أن يتحول فيه هذا الفعل الجميل
والسلوك النبيل إلى "فخ الدَّين النفسي" (Psychological Debt)، والذي يُعدُّ نوعًا من الابتزاز العاطفي (Emotional Blackmail). الذي يحدث
عندما يشعر الفرد بأنه مُجبَر على تقديم المقابل بطريقة غير متكافئة، أو عندما
يشكل الجميل المُقدَّم ضغطا نفسيا ، حيث يفقد "رد الجميل" طابعه
الإنساني الصادق، ويصبح أداة لتحقيق غايات غير أخلاقية، مما قد يؤدي إلى خلق مشاعر
الذنب والتوتر بدلاً من الامتنان والتقدير. ومن هنا، فمن المهم التمييز بين رد
الجميل الحقيقي المبني على العرفان، وبين الاستغلال العاطفي الذي يسعى لجعل الفرد
مدينًا بشكل مستمر.
ولضمان بقاء رد الجميل سلوكًا نبيلاً وصحيًا، لا بد من تحقيق توازن دقيق بين التقدير والاستقلالية الشخصية ، والذي يمكن تحقيقه عبر التعبير عن الامتنان النابع من الرغبة الصادقة وليس من الشعور بالالتزام القسري والإجبارية، وألا يكون رد الجميل أكبر من طاقة الشخص ،لأن رد الجميل قيمة أخلاقية عظيمة تُعزز روح التعاون والتضامن بين الناس، ومن الضروري أن تتم بطريقة متوازنة وعادلة، تجعل العلاقات الإنسانية مزدهرة، لأنه عندما يتحول إلى فخ نفسي، فإنه يفقد معناه الحقيقي. لذا، فإن الفهم العميق لهذا التوازن هو مفتاح بناء علاقات صحية تقوم على التقدير المتبادل وليس الشعور بالذنب أو الضغط النفسي.